تركيا فوق صفيح ساخن.. إلى أين تسير الأمور؟

#image_title

ماذا حدث؟

شهدت تركيا أزمة سياسية كبرى، عندما ألقت السلطات القبض على عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المرشح الأبرز للمعارضة في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وأودعته السجن بتهم تتعلق بالإرهاب والفساد.

الخطوة جاءت قبل أيام قليلة من إعلان حزب المعارضة الرئيسي مرشحه الرئاسي، ما أدى إلى إخراج إمام أوغلو فعليًا من سباق الرئاسة، وإبعاده عن منصب عمدة أكبر وأهم مدينة في البلاد.

التصعيد لم يتوقف عند هذا الحد؛ إذ قررت جامعة إسطنبول، التي تخرج منها إمام أوغلو، إلغاء شهادته الجامعية بزعم مخالفته للوائح المجلس الأعلى للتعليم، مما يعني منعه قانونيًا من الترشح للانتخابات، نظرًا لاشتراط الدستور التركي لحيازة المرشح الرئاسي شهادة جامعية.

لماذا هذا مهم؟

هذه الحادثة لم تكن مجرد إجراء قانوني روتيني، بل خطوة صادمة كشفت عن التوجه المتزايد للنظام الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان نحو إحكام قبضة السلطة وتحويل النظام السياسي إلى نموذج من “الأوتوقراطية التنافسية”، بل وربما إلى نسخة تركية من النموذج الروسي الصارم، حيث تصبح الانتخابات شكلية والمعارضة الحقيقية محظورة.

إمام أوغلو لم يكن مجرد عمدة معارض، بل كان يمثل تهديدًا جديًا لأردوغان بعدما نجح في كسر احتكار الحزب الحاكم لإدارة إسطنبول منذ ربع قرن، وأثبت شعبيته حتى خارج قاعدته الحزبية التقليدية.

تصعيد أردوغان يعكس رغبته في القضاء على أي تهديد محتمل لحكمه، في ظل تراجع شعبيته بسبب الأزمات الاقتصادية المتفاقمة التي تعاني منها البلاد منذ سنوات، ووسط موجة من السخط الشعبي، خاصة بين فئة الشباب.

كما أن استعادة السيطرة على إسطنبول ليست فقط ضربة سياسية للمعارضة، بل أيضًا إعادة فتح شرايين مالية مهمة عززت شبكة المحسوبية التي يستند إليها النظام منذ سنوات.

ماذا بعد؟

اعتقال إمام أوغلو وحرمانه من حق الترشح، رغم أنه يمثل أكبر تهديد انتخابي لأردوغان، يحمل في طياته مخاطرة كبرى، إذ تشير التجربة إلى أن محاولات النظام السابقة لإقصائه -كما حدث في إعادة انتخابات إسطنبول عام 2019- أدت إلى نتائج عكسية عززت من شعبيته.

ومع ذلك، يبدو أن أردوغان يعول على عاملين: ضعف مؤسسات المعارضة، ومحدودية قدرة الشارع على التحرك بفعل القبضة الأمنية الصارمة المفروضة منذ قمع احتجاجات “جيزي بارك” عام 2013.

لكن المعادلة قد تكون مختلفة هذه المرة؛ فتركيا ليست روسيا، إذ تعتمد أنقرة بشكل كبير على الاستثمارات الأجنبية التي قد تتقلص أكثر في ظل الظروف الأمنية المعقدة، كما أن المجتمع التركي، رغم حالة الإحباط، لا يزال يحمل إرثًا من التجربة الديمقراطية قد يجعله أكثر استعدادًا للرفض والمقاومة مع تصاعد الغضب من تدهور الأحوال الاقتصادية.

الأسابيع القادمة ستكون حاسمة، ويبقى السؤال: هل يتقبل الأتراك “بوتنة” نظامهم السياسي؟ أم يفجرون موجة رفض جديدة قد تعيد خلط الأوراق في المشهد التركي؟

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *