ماذا حدث؟
شهدت العاصمة السعودية الرياض، في 18 فبراير 2025، اجتماعًا حاسمًا بشأن مستقبل أوكرانيا، لكن دون مشاركة أي ممثل عن كييف أو حتى الاتحاد الأوروبي.
اقتصر الحضور على وفود من الولايات المتحدة وروسيا، برعاية سعودية، ما أثار تساؤلات حول مستقبل أوكرانيا في ظل استبعادها من تقرير مصيرها.
تزامن الاجتماع مع مكالمة هاتفية وُصفت بالإيجابية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين قبل أيام قليلة من اللقاء، الأمر الذي احتفت به موسكو بوصفه انتصارًا دبلوماسيًا.
هذا التوجه يتماشى تمامًا مع سياسة بوتين تجاه أوكرانيا، حيث لطالما رفض الاعتراف بسيادتها واستقلال حكومتها، معتبرًا إياها مجرد “نظام كييف”، وفق تعبيره.
ورغم تأكيد الوفد الأمريكي على أن أوكرانيا يجب أن تكون طرفًا في المباحثات المستقبلية، إلا أن تحركات إدارة ترامب وتصريحاتها أضعفت موقف كييف دوليًا، مما قد ينعكس على الدعم السياسي والعسكري الذي تحظى به.
لماذا هذا مهم؟
يأتي هذا التطور في سياق حملة روسية مستمرة لتقويض شرعية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث تسعى موسكو لإقناع العالم بأنه لا يوجد طرف أوكراني شرعي يمكن التفاوض معه.
تبنّت إدارة ترامب هذا الطرح بطريقة غير مباشرة، عندما ركزت في المحادثات على ضرورة إجراء انتخابات في أوكرانيا كشرط لأي اتفاق سلام، متجاهلة الظروف الاستثنائية التي تعيشها البلاد بسبب الحرب.
ترامب، خلال مؤتمر صحفي في اليوم ذاته، ادّعى خطأً أن نسبة تأييد زيلينسكي تراجعت إلى 4%، في حين أن استطلاعات الرأي الحديثة تُظهر أنه يحظى بدعم 57% من الأوكرانيين.
كما وصف زيلينسكي بأنه “ديكتاتور بدون انتخابات”، مما يعزز الدعاية الروسية التي تسعى لتصوير أوكرانيا كدولة غير ديمقراطية، ويُضعف موقفها أمام حلفائها الغربيين.
الانتخابات الرئاسية الأوكرانية التي كان من المفترض أن تُجرى في مايو 2024، تأجلت بسبب فرض الأحكام العرفية منذ بدء الغزو الروسي الشامل في فبراير 2022، وبينما ينص الدستور الأوكراني على استمرار عمل البرلمان خلال فترة الطوارئ، لا يوجد نص صريح حول تمديد ولاية الرئيس، وهو ما تستغله موسكو للطعن في شرعية زيلينسكي.
ماذا بعد؟
إصرار روسيا على فرض الانتخابات في أوكرانيا خلال الحرب ليس إلا فخًا سياسيًا، إذ أن إجراء انتخابات في ظل القتال المستمر سيؤدي إلى فوضى وانقسامات داخلية، في حين أن رفضها سيُستخدم لتبرير الادعاء بعدم شرعية الحكومة الحالية.
هذا السيناريو يمنح بوتين ذريعة لتصعيد موقفه، ويُسهل على إدارة ترامب التراجع عن التزاماتها تجاه كييف.
بالتوازي، تتصاعد المخاوف في أوكرانيا من تدخلات روسية في أي انتخابات مستقبلية، خاصة وأن موسكو تمتلك تاريخًا طويلًا في التلاعب السياسي داخل أوكرانيا، كما حدث في الانتخابات الرئاسية عام 2004 التي فجرت “الثورة البرتقالية”، وفي عام 2010 عندما دعمت الرئيس الموالي لها فيكتور يانوكوفيتش، قبل أن يطيح به الشعب في “ثورة الكرامة” عام 2014.
في نهاية المطاف، يجد زيلينسكي نفسه في مأزق: إما القبول بإجراء انتخابات غير مضمونة النتائج، أو رفضها وتحمل تبعات سياسية ودبلوماسية قد تؤدي إلى فقدان دعم بعض الحلفاء، خاصة في ظل ميل إدارة ترامب إلى تبني خطاب موسكو.
في كلتا الحالتين، يبدو أن بوتين هو المستفيد الأكبر، بينما تدفع أوكرانيا الثمن.