بين إسرائيل و إيران.. اختار وطنك لا وهمك

#image_title #separator_sa #site_title

كتب – سلطان عبيد سلطان

لست مضطرًا لأن تؤيد إسرائيل، لكنك أيضًا لست مضطرًا لأن تُصفّق لإيران

التاريخ لا يسير في خطوط مستقيمة، بل في دوائر من الألم والأمل، من الحرب والسلام. هكذا علّمتنا الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وهكذا فهمها أهل الخليج، لا من خلال الخوف، بل من خلال الحكمة. لكن حرب الاثني عشر يومًا بين إسرائيل وجمهورية إيران الإسلامية ليست مجرد حلقة جديدة في دائرة الصراع، بل كانت اختبارًا حاسمًا للولاء، للذاكرة، وللجوهر العميق الذي يُشكّل معنى الوطن.

نحن لسنا محايدين بين محتلين، ولسنا عاطفيين في خياراتنا، بل أبناء تجربة تاريخية مُعقدة. من جزرنا الثلاث المحتلة إلى دماء شهدائنا في اليمن، ومن الدماء التي أُريقت في شوارع بغداد وحلب وبيروت إلى الخراب الذي تركته الطائفية الإيرانية خلفها، ندرك أن العدو لا يُعرّف فقط بالراية التي يرفعها، بل بنواياه وممارساته. إيران قتلت أكثر من 700 ألف من أبناء العراق وسوريا، وجرحت ملايين، وهدمت بيوتًا تقدّر قيمتها بأكثر من 70 مليار دولار، وجعلت من اليمن بلدًا منكوبًا بلا مستقبل، حيث الأرامل يبحثن في المقابر عن قبور دفن فيها أولادهن أحياء.

يقول سقراط: ”الوطن هو حيث تشعر بالحرية”

ونحن في الإمارات، أمة زايد، لا نعرف وطناً سوى أرضنا، ولا نُحب علماً سوى علمنا، ولا نحمل ذاكرة إلا لذاكرة الصبر والكرامة. نحن دعاة سلام، نعم، لكن سلامٌ لا يُبنى على الخداع ولا يُمارس على حساب سيادتنا، فنحن من آوى لاجئين، ووقف مع الشعوب، وساهم في إعمار ما دمّره الطغيان، من كوسوفو إلى أفغانستان. لكن من المحزن أن ينبري البعض، من مراهقي السياسة وهواة الترندات الرقمية، أو من ضللتهم تيارات مغرضة، للدفاع عن نظامٍ لم يُخفِ يومًا عداءه للعرب، بل احتفى بمن قتل زعماءهم، واحتضن ميليشياتهم، ودمر مستقبلهم.

هل من العقل أن تعتبر من يدعم الحوثي ويُسلّح حزب الله ويدرّب البوليساريو في المغرب شريكًا لك في العدالة؟ وهل من الحكمة أن تنسى أن من يدّعي مقاومة إسرائيل قد خان العراق، وسوريا، واليمن، ولبنان، ويستثمر دماء الفلسطينيين ليحصد نفوذًا إقليميًا لا علاقة له بالكرامة؟

أفلاطون قال: ”في أوقات المحن، تظهر معادن الرجال”.

والوطنية ليست لافتة تُعلّق وقت الحرب، بل هي ميزان أخلاقي يُستخدم حين تختلط الأصوات. لسنا هنا لنمنح صكوك الولاء ولا لنقيس وطنيتك، بل لنسأل: حين تقف الحرب بين قوتين، وكلتاهما تحمل سجلًا دمويًا، فهل يكون من العقل أن تختار بينهما؟ أم من الحكمة أن تختار الوطن؟

الحياد ليس دائمًا تخاذلاً، بل أحيانًا قمة السيادة. فأنت لست مضطرًا لأن تؤيد إسرائيل، لكنك أيضًا لست مضطرًا لأن تُصفّق لإيران التي حاربتنا على كل الجبهات. يقول ابن خلدون: “الظلم مؤذن بخراب العمران”، وكل من يزرع الفوضى في أوطاننا، أيًّا كان اسمه أو رايته، فإنه يقف ضد الإنسان، وضد الحضارة، وضد الروح التي نبني بها الخليج.

في هذه اللحظة، تتكشّف المبادئ. ليس كل من يرفع راية فلسطين حليفًا، ولا كل من يعادي إسرائيل صديقًا. بعضهم يعادي الجميع، ويسعى للهيمنة على الجميع، ويمارس جريمة مضاعفة: جريمة الاحتلال وجريمة التزييف.

وفي النهاية، ليس المطلوب أن ترفع صوتك ضد هذا أو ذاك، بل أن ترفع قلبك وعقلك مع وطنك. لأن حب الوطن لا يُقاس بالمزايدات، بل يُقاس بالثبات. لأنه حين تتضارب المبادئ، فإننا نُختبر: هل نحن أبناء الأرض، أم أسرى الشعارات؟

كما أن القلب لا ينبض مرتين، كذلك لا يُحبُّ الإنسان وطنين. فالولاء لوطنك ليس مجرد اختيار، بل هو الحقيقة الوحيدة التي تسبق كل حقيقة، وهو القرار الذي يصنع التاريخ، لا يدوّنه فقط. و نعم الوطن أولًا… لأن الأوطان تُبنى على الولاء، وتُحمى بالوعي، وتُخلّد بالحب لا بالمساومة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *