ماذا حدث؟
في تحول دراماتيكي للحرب الأهلية السودانية التي اندلعت في 15 أبريل 2023، أحرز الجيش السوداني انتصارات حاسمة في الأسابيع الأخيرة، ما أدى إلى إثارة التكهنات حول مستقبل الصراع ومصير البلاد.
بدأ النزاع عندما تصاعدت الخلافات بين القوات المسلحة السودانية (SAF) بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع (RSF) بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، عقب خلاف حول دمج قوات الدعم السريع في الجيش الوطني.
أدت الحرب إلى كارثة إنسانية واسعة، حيث قُتل ما بين 20,000 إلى 150,000 شخص وفق تقديرات متباينة، بينما تجاوز عدد النازحين 14 مليون شخص، مما يجعلها أسوأ أزمة نزوح في العالم حاليًا.
وفرضت الظروف القاسية حالة من الجوع الحاد، حيث يواجه نصف سكان السودان تقريبًا انعدامًا غذائيًا خطيرًا، فيما يواجه أكثر من 638,000 شخص خطر المجاعة الحتمية.
لماذا هذا مهم؟
النجاحات الأخيرة للجيش السوداني تُعيد رسم خارطة السيطرة في السودان، فقد تمكّن الجيش من استعادة مناطق استراتيجية، من بينها أجزاء واسعة من العاصمة الخرطوم، والمراكز الحضرية عند التقاء نهري النيل الأزرق والأبيض، بالإضافة إلى الساحل السوداني المطل على البحر الأحمر، حيث يقع ميناء بورتسودان الحيوي.
لكن على الرغم من هذه المكاسب، لا تزال قوات الدعم السريع تفرض سيطرتها على دارفور، المنطقة الشاسعة غربي البلاد، حيث تواجه اتهامات بارتكاب إبادة جماعية ضد المجتمعات غير العربية.
كما تسيطر قوات الدعم السريع على أجزاء من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان، مما يمنحها مجالًا للمناورة واستمرار القتال.
أدى هذا الجمود في التوازن العسكري إلى إثارة تساؤلات حول احتمال تقسيم السودان، خصوصًا بعد إعلان قوات الدعم السريع وحلفائها في فبراير 2025 عن خطط لإنشاء حكومة موازية خلال قمة عقدت في كينيا.
ورغم الانقسام بين دول الاتحاد الإفريقي حول الاعتراف بأي كيان مرتبط بالدعم السريع، فإن هذه التحركات قد تؤدي إلى ترسيخ الانقسام الداخلي.
ماذا بعد؟
مع تصاعد القتال وتزايد الضغوط الإقليمية والدولية، يبقى السيناريو المستقبلي للسودان غير واضح، فالولايات المتحدة فرضت عقوبات على حميدتي، واتهمت قواته بارتكاب إبادة جماعية، بينما يُنظر إلى التدخل الروسي والمساعدات العسكرية المقدمة للجيش السوداني على أنها عنصر رئيسي في ترجيح كفته في النزاع.
في المقابل، تسعى الصين إلى الحفاظ على تدفق النفط السوداني، مما يزيد من تعقيد التوازنات الجيوسياسية.
لكن فكرة تقسيم السودان لا تزال تثير المخاوف، خصوصًا في ضوء تجربة جنوب السودان، الذي انفصل عام 2011، ليغرق لاحقًا في حرب أهلية مريرة وتحديات إنسانية واقتصادية متواصلة.
أي محاولة جديدة للتقسيم قد تعني المزيد من عدم الاستقرار، وقد تفتح الباب أمام صراعات داخلية جديدة قائمة على أسس عرقية وسياسية.
مع دخول الحرب عامها الثالث، تبدو نهاية الصراع بعيدة المنال، ما لم تُبذل جهود دبلوماسية جادة لوقف القتال والتوصل إلى حل سياسي شامل يحفظ وحدة السودان، ويضمن استقرارًا دائمًا في المنطقة التي باتت مسرحًا لصراعات القوى الكبرى.