ماذا حدث؟
جددت الولايات المتحدة الأمريكية تأكيد دعمها الكامل لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، معتبرة إياه الحل الواقعي الوحيد القادر على إنهاء النزاع المستمر منذ عقود.
ذا الموقف أعاد تسليط الضوء على القضية الصحراوية، وأشعل ردود فعل غاضبة من الجزائر التي رأت في التصريحات الأمريكية إخلالًا بمبدأ الحياد وخرقًا للقانون الدولي.
التحرك الأمريكي جاء على لسان وزير الخارجية ماركو روبيو خلال لقائه بنظيره المغربي ناصر بوريطة بالعاصمة واشنطن، حيث شدد على أن السيادة المغربية على الصحراء أمر معترف به من قبل الولايات المتحدة، معتبرًا أن مقترح الرباط يمثل الإطار الوحيد للتفاوض المقبول.
من جانبه، كشف مسعد بولس، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لشؤون إفريقيا والشرق الأوسط، عن نية واشنطن لعب دور الوسيط الفاعل بين المغرب والجزائر، في محاولة لإحياء مسار تفاوضي مجمد، مؤكدًا أن وجود نحو 200 ألف لاجئ صحراوي في الجزائر يتطلب تسوية نهائية تحفظ حقوق جميع الأطراف.
وفي تأكيد إضافي للموقف الأمريكي، أوضح بيان الخارجية الصادر عقب اللقاء أن واشنطن لا تزال ترى في مشروع الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلاً عمليًا وشاملًا للنزاع، مجددة بذلك الاعتراف التاريخي الذي صدر خلال الولاية الأولى لترامب عام 2020.
لماذا هذا مهم؟
التحرك الأمريكي الجديد ليس مجرد دعم سياسي تقليدي، بل يمثل تحولا نوعيًا في مسار قضية الصحراء الغربية، حيث يعكس رغبة واشنطن في الانتقال من موقع المراقب إلى دور الوسيط النشط.
وإذا ما نجحت هذه الوساطة، فإنها قد تمهد الطريق لإنهاء واحد من أطول النزاعات في شمال إفريقيا، وتعزز فرص الاستقرار الإقليمي في منطقة تعاني من تهديدات متزايدة نتيجة التوترات الحدودية والإرهاب العابر للقارات.
تصريحات مستشار ترامب التي تحدث فيها عن مبادرة أمريكية مباشرة لفتح قنوات التواصل بين الرباط والجزائر، تعكس وعيًا استراتيجيًا لدى الإدارة الأمريكية بأهمية تقليل حدة التوتر بين الجارتين، خاصة في ظل صعوبات الحكم داخل الجزائر، التي غالبًا ما تعرقل اتخاذ قرارات جريئة بسبب توازنات داخلية معقدة.
من ناحية أخرى، يشكل الدعم الأمريكي دفعة معنوية وسياسية كبيرة للمغرب، الذي قدم منذ أكثر من عشرين سنة مقترح الحكم الذاتي باعتباره حلاً توافقيًا يحفظ ماء وجه الجميع، ويؤسس لنموذج سياسي متقدم يضمن الحقوق والحريات للصحراويين تحت مظلة السيادة المغربية.
ماذا بعد؟
الأنظار تتجه الآن إلى الجزائر، التي تبدو أمام مفترق طرق تاريخي: إما الاستمرار في التصعيد والمواجهة السياسية، أو الاستجابة لنداء التهدئة والانخراط في حوار واقعي يُعيد رسم العلاقة مع المغرب على أسس جديدة.
في هذا السياق، عبّر المغرب عن استعداده المستمر للانخراط في أي مبادرة تنطلق من الاحترام المتبادل وتنبذ الحلول المتجاوزة التي لم تعد تحظى بدعم دولي.
وبالرغم من امتلاك المغرب لإمكانيات ميدانية وعسكرية متقدمة تمكنه من فرض وقائع على الأرض، إلا أنه اختار نهج “الصبر الاستراتيجي”، متمسكًا بموقفه القانوني والسياسي، ومفتحًا أبوابه لكل من يطرح مبادرات حقيقية لحل النزاع.
في المقابل، شدد عبد المجيد بلغزال، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، على ضرورة إبقاء قنوات الحوار مفتوحة، معتبرًا أن أي وساطة، مهما كانت خلفيتها، يجب أن تُستثمر لبناء الثقة لا لتغذية الخطابات الشعبوية.
وأضاف أن المغرب لا يسعى إلى فرض حل، بل يسعى إلى تسوية تحفظ الحقوق وتحقق الاستقرار، داعيًا إلى تضافر الجهود الدولية لدعم مشروع السلام العادل في الصحراء الغربية.
إن عودة واشنطن إلى دائرة الفعل في ملف الصحراء قد تكون بداية مرحلة جديدة، لكن نجاحها يظل مرهونًا بقدرة الأطراف على التخلي عن لغة التصعيد، والإصغاء لصوت الحكمة قبل فوات الأوان.