ماذا حدث؟
تشهد النمسا في السنوات الأخيرة تحولًا واضحًا في طريقة تعاملها مع تنظيم الإخوان، بعد عقود تمتع خلالها التنظيم بنفوذ واسع داخل مؤسسات المجتمع مستفيدًا من مساحة الانفتاح السياسي وحرية العمل الديني.
وهذا النفوذ الذي تشكّل عبر شبكة معقدة من الجمعيات والمراكز التي تحركها الجماعة، بدا اليوم أمام مرحلة جديدة عنوانها الأساسي: تشديد الخناق وملاحقة النفوذ الخفي.
شبكات نفوذ تمتد لعقود
على مدار سنوات طويلة، اعتمد الإخوان في النمسا أسلوبهم التقليدي المعروف عالميًا: واجهة منفتحة عبر كيانات تحمل طابعًا دينيًا وخيريًا، تقابلها بنية تنظيمية غير معلنة تعمل في الظل.
هذه الوصفة مكنت الجماعة من بناء حضور واسع داخل المجتمع، عبر مؤسسات اتخذت من العمل الاجتماعي غطاءً لنشاطها.
هجوم فيينا 2020.. نقطة تحوّل
لكن المشهد تغيّر بالكامل بعد الهجوم الإرهابي الذي شهدته العاصمة فيينا عام 2020، والذي مثّل لحظة فارقة دفعت السلطات إلى إعادة تقييم رؤيتها للتنظيم وأذرعه الممتدة.
ومع تزايد الأسئلة حول حجم تغلغل الإخوان في المجتمع، جاءت الاستجابة الرسمية سريعة وحاسمة.
عملية “الأقصر”.. أكبر الضربات الأمنية
في أعقاب الهجوم مباشرة، أطلقت الشرطة النمساوية واحدة من أوسع حملاتها الأمنية تحت اسم عملية الأقصر.
العملية استهدفت عشرات الأشخاص والكيانات المرتبطة بتنظيم الإخوان، إضافة إلى جهات على صلة بحركة حماس، في إشارة تعكس حجم القلق الذي بات يحيط بهذه الشبكات.
الحظر السياسي.. خطوة برلمانية حاسمة
ومع استمرار النقاش السياسي حول دور الإخوان، صوّت البرلمان النمساوي عام 2021 على حظر الجماعة سياسيًا، في خطوة نقلت التعامل الرسمي مع التنظيم من نطاق المراقبة إلى دائرة التجريم السياسي المباشر.
مركز جديد لمراقبة الإسلام الراديكالي
الضغوط لم تتوقف عند هذا الحد؛ إذ شهد سبتمبر الماضي إعلان حزب الحرية إنشاء مركز متخصص لمراقبة الإسلام الراديكالي.
خطوة جاءت لتؤكد أن المواجهة النمساوية مع الإخوان لم تعد ظرفية، بل مسارًا ممتدًا يهدف إلى متابعة الشبكات ورصد التمويل والحد من أي أنشطة سياسية للتنظيم.
انسحاب وتعتيم.. تكتيك إخواني تحت الضغط
وبينما يشتد هذا التضييق الرسمي، لجأت المنظمات المرتبطة بالجماعة إلى تقليص حضورها العلني والتغطية على نشاطها، في سلوك يعكس تكتيكًا مألوفًا استخدمته الجماعة مرارًا في لحظات الرقابة والضغط.
ماذا بعد؟
بهذا المشهد المتسارع، تبدو النمسا ماضية في إعادة رسم علاقتها مع تنظيم الإخوان، من مرحلة التساهل إلى سياسة الرقابة والتضييق، في معركة تُظهر أن حضور الجماعة في أوروبا يدخل فصلًا جديدًا أكثر صرامة وتعقيدًا.