كتب- محمد النجار:
في أواخر نوفمبر الماضي، فجرت صحيفة فاينانشال تايمز مفاجأة في الأوساط السياسية والعسكرية، حيث نشرت تقريرًا حول قيام روسيا بتجنيد مئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، وذلك من خلال عملية تهريب غامضة.
مجندون يمنيون سافروا إلى روسيا، تحدثوا لصحيفة فاينانشال تايمز، وقالوا إنهم تلقوا وعودا بوظائف ذات رواتب عالية وحتى الحصول على الجنسية الروسية، وعندما وصلوا بمساعدة شركة مرتبطة بالحوثيين، تم تجنيدهم قسرا في الجيش الروسي وإرسالهم إلى خطوط المواجهة في أوكرانيا.
ظهور المرتزقة اليمنيون في أوكرانيا، يُظهِر كيف يجتذب الصراع بشكل متزايد جنودًا من الخارج مع ارتفاع عدد الضحايا ومحاولة الكرملين تجنب التعبئة الكاملة.
لكن اللافت أن اليمنيين لم ينضموا وحدهم، فقد التحق بهؤلاء المرتزقة مرتزقة آخرين من نيبال والهند ونحو 12 ألف جندي من الجيش النظامي الكوري الشمالي الذين وصلوا للمشاركة في القتال ضد القوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك الروسية.
صدى التجنيد في الغرب
يقول دبلوماسيون أميركيون إن التفاهم بين الكرملين والحوثيين، والذي كان لا يمكن تصوره قبل الحرب في أوكرانيا، هو علامة على مدى استعداد روسيا للذهاب لأبعد مدى من أجل توسيع هذا الصراع إلى مسارح جديدة بما في ذلك الشرق الأوسط.
وأكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينج أن روسيا تسعى بشكل نشط إلى إجراء اتصالات مع الحوثيين ومناقشة نقل الأسلحة، رغم أنه رفض تقديم مزيد من التفاصيل.
وأضاف “نعلم أن هناك أفرادا روسا في صنعاء يساعدون في تعميق هذا الحوار”، مشيرا إلى أن “أنواع الأسلحة التي يجري مناقشتها مثيرة للقلق للغاية، ومن شأنها أن تمكن الحوثيين من استهداف السفن بشكل أفضل في البحر الأحمر وربما أبعد من ذلك”.
وقال ماجد المذحجي، رئيس مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن روسيا أيضًا مهتمة “بأي مجموعة في البحر الأحمر، أو في الشرق الأوسط، معادية للولايات المتحدة”.
وأضاف أن المرتزقة يتم تنظيمهم من قبل الحوثيين كجزء من الجهود الرامية إلى بناء روابط مع روسيا.
لم يعلق المتحدث باسم جماعة أنصار الله الحوثية، على هذه التقارير، لكن محمد البخيتي، عضو المكتب السياسي لأنصار الله، صرح لموقع ميدوزا الإخباري الروسي إنهم على “اتصال دائم” مع القيادة الروسية “لتطوير هذه العلاقات في جميع المجالات، بما في ذلك الاقتصاد والسياسة والجيش”.
كيف يتم التجنيد؟
تضمنت العقود التي وقعها اليمنيون، والتي نشرتها “فاينانشيال تايمز”، أسماء شركة أسسها عبد الولي عبده حسن الجابري، وهو سياسي حوثي بارز.
ويبدو أن عملية تجنيد الجنود اليمنيين بدأت في وقت مبكر من شهر يوليو/تموز، حيث حمل أحد عقود التجنيد تاريخ الثالث من يوليو/تموز، وقد وقع عليها رئيس مركز اختيار الجنود المتعاقدين في مدينة نيجني نوفغورود.
وقال أحد المجندين ويدعى نبيل، والذي تبادل رسائل نصية مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، إنه كان جزءا من مجموعة تضم نحو 200 يمني تم تجنيدهم في الجيش الروسي في سبتمبر/أيلول بعد وصولهم إلى موسكو.
ورغم أن بعضهم كانوا من المقاتلين المتمرسين، فإن العديد منهم لم يتلقوا تدريباً عسكرياً، وقال إنهم تعرضوا للخداع حتى سافروا إلى روسيا ووقعوا على عقود تجنيد لم يتمكنوا من قراءتها.
وقال نبيل -الذي طلب عدم ذكر اسمه الحقيقي- إنه أُغرِيَ بفرص عمل مربحة في مجالات مثل “الأمن” و”الهندسة”، على أمل كسب ما يكفي لإكمال دراسته.
وبعد بضعة أسابيع، تم احتجازه مع أربعة يمنيين آخرين وصلوا مؤخرًا إلى غابة في أوكرانيا، وكانوا يرتدون ملابس عسكرية تحمل شعارات روسية، ووجوههم مغطاة بأوشحة.
وقال عبد الله، وهو يمني آخر طلب عدم نشر اسمه الحقيقي، إنه وعد بمكافأة قدرها 10 آلاف دولار و2000 دولار شهريًا، بالإضافة إلى الحصول على الجنسية الروسية في نهاية المطاف، للعمل في روسيا لتصنيع الطائرات بدون طيار.
وقال عبد الله إن مجموعته، عند وصولهم إلى موسكو في 18 سبتمبر/أيلول، نُقلت بالقوة من المطار إلى منشأة في مكان يبعد خمس ساعات عن موسكو، حيث أطلق رجل يتحدث باللغة العربية البسيطة مسدسًا فوق رؤوسهم عندما رفضوا التوقيع على عقد التجنيد، الذي كان مكتوبًا باللغة الروسية.
وقال “وقعت على الوثيقة لأنني كنت خائفا”، ثم تم نقلهم في حافلات إلى أوكرانيا، وتلقوا تدريبا عسكريا أوليا وأرسلوا إلى قاعدة عسكرية بالقرب من روستوف، بالقرب من الحدود الأوكرانية.
وقال عبد الله إن العديد من أفراد المجموعة الأصلية من الوافدين لقوا حتفهم في أوكرانيا.
روسيا وإيران والحوثيون
في تحليل إيميلي ميليكن الباحثة بالمجلس الأطلسي، تم التأكيد على أن تجنيد المقاتلين اليمنيين ليس سوى عنصر واحد من العلاقة الناشئة بين الحوثيين وروسيا، والتي اكتسبت أهمية أكبر منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، فلقد روج الحوثيون من وقتها أنفسهم كعنصر حاسم في “محور المقاومة” الإيراني.
قبل عدة أشهر، ظهرت تقارير تفيد بأن إيران كانت تتوسط في اتفاق محتمل لكي ترسل روسيا أسلحة متقدمة، وهي صواريخ P-800 Oniks المضادة للسفن، إلى الحوثيين.
في حين لا يوجد دليل على حدوث مثل هذا النقل حتى الآن، أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيموثي ليندركينج مؤخرًا أن روسيا تسعى بنشاط إلى إجراء اتصالات مع الحوثيين ومناقشة نقل محتمل للأسلحة.
في أكتوبر/تشرين الأول، كانت هناك تقارير تفيد بأن موسكو تخطط لتزويد المتمردين بشحنة من الأسلحة الصغيرة بقيمة عشرة ملايين دولار.
وبعد وقت قصير من بدء تداول مزاعم نقل الأسلحة هذه، زعمت تقارير أخرى أن الكرملين كان يزود المجموعة أيضًا بمعلومات استخباراتية، بما في ذلك بيانات الأقمار الصناعية، لحملتها المستمرة ضد حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة.
بالنسبة لموسكو، فإن التعاون مع الحوثيين يوفر العديد من الفوائد إلى جانب تعويض الخسائر في ساحة المعركة في أوكرانيا.
ولأن الحوثيين يصعدون إلى دور أكثر بروزًا داخل شبكة حلفاء إيران ووكلائها، ويرجع هذا إلى ضرباتهم الناجحة على الشحن البحري الدولي والأراضي الإسرائيلية، فضلاً عن تضاؤل نفوذ حزب الله وحماس بعد العمليات العسكرية الإسرائيلية المتتالية على القيادات العليا والبنية التحتية الحيوية.
وبالتالي، فإن النظر إلى العلاقة بين الحوثيين وروسيا جزء من جهد استراتيجي أكبر بين خصوم الولايات المتحدة ــ روسيا وإيران وكوريا الشمالية والصين ــ لتعزيز تحالفاتهم وتحدي الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
خطورة الموقف
بالنسبة لموسكو، يقدم التعاون مع الحوثيين العديد من الفوائد التي تتجاوز مجرد تعويض الخسائر في ساحة المعركة في أوكرانيا.
أولاً، من خلال تزويد الحوثيين بالأسلحة والمعلومات الاستخباراتية، تشجع روسيا الأعمال المزعزعة للاستقرار في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة، حيث ترى موسكو الحملة البحرية للحوثيين كفرصة لممارسة الضغط على الشحن التجاري الغربي، وتحويل انتباه الولايات المتحدة عن حرب روسيا في أوكرانيا.
في الوقت نفسه، تمنح العلاقات الروسية الحوثية الكرملين نفوذاً إضافياً على اللاعبين الإقليميين المهمين، مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، اللتين لديهما مصلحة راسخة في إنهاء الحرب في اليمن.
في حين تتمتع موسكو منذ فترة طويلة بعلاقات استراتيجية واقتصادية مع هذه الدول الخليجية، وخاصة من خلال مجموعة أوبك +، إلا أن روسيا ستتمكن من استخدام علاقاتها المتنامية مع المتمردين اليمنيين للضغط عليهم، وخاصة عندما يتعلق الأمر بعلاقاتهم مع واشنطن.
ولكن من الضروري تفسير علاقات روسيا مع الحوثيين باعتبارها شراكة مصلحة وليس تحالفا استراتيجيا كاملا.
ويرى المجلس الأطلسي أن التعاون بين الحوثيين وروسيا قد يؤدي إلى توسيع قدرة الحوثيين بشكل خطير على تهديد الشحن الدولي وكذلك الأصول الأميركية وحلفائها في المنطقة.
ويضيف أنه حتى بدون ضخ الأسلحة الروسية المتقدمة، تمكن الحوثيون من تعطيل التجارة البحرية، مما تسبب في انخفاض بنسبة 66٪ في حركة المرور عبر قناة السويس على مدار عام، ومن شأن ضخ أنظمة مثل P-800 Oniks أو حتى الصاروخ الباليستي الجديد “التجريبي” متوسط المدى من موسكو والذي يحمل رؤوسًا حربية متعددة أن يسبب المزيد من الفوضى.
وحتى لو كانت موسكو مترددة في إرسال مثل هذه الأنظمة المتقدمة، فإنها قد تزود الحوثيين أيضاً بخبرة أكبر في التصنيع العسكري، وهو ما قد يجعل سلاسل الإمداد العسكرية المحلية للجماعة أكثر اكتفاءً ذاتياً ومتانة، كما أنه من شأنه أن يجعل الحوثيين أقل اعتماداً على النظام الإيراني وربما أكثر استعداداً لشن ضربات حتى لو لم تكن مثل هذه العمليات مفيدة سياسياً لداعميهم في طهران.