ماذا حدث؟
منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، واجهت روسيا واحدة من أسوأ الفترات في سياستها الخارجية منذ نهاية الحرب الباردة، فعلى عكس ضم القرم في عام 2014، أدى الغزو الشامل عام 2022 إلى توحيد غير مسبوق بين الدول الغربية، مما نتج عنه فرض عقوبات مشددة على الاقتصاد الروسي وتوسيع حلف الناتو.
انخفضت صادرات الغاز الروسية إلى أوروبا بشكل حاد، حيث تعطلت خطوط أنابيب “نورد ستريم”، وانخفضت عائدات مبيعات الطاقة إلى النصف.
وفي ظل العزلة الغربية، تعمقت علاقات موسكو مع الصين، حيث أصبحت بكين المورد الرئيسي للتكنولوجيا وملاذًا رئيسيًا للطاقة الروسية.
ومع ذلك، فإن هذا التحالف لم يعوض خسائر موسكو الجيوسياسية، فروسيا أصبحت تعتمد على الصين بشكل غير مسبوق، لدرجة أن بعض المحللين وصفوا علاقتها ببكين بأنها “علاقة تبعية”.
على الأرض، تكبدت روسيا خسائر بشرية فادحة، مع سقوط أكثر من 600 ألف جندي بين قتيل وجريح، فيما شهدت العمليات العسكرية لعام 2024 وحده معدلات خسائر غير مسبوقة وصلت إلى 1500 قتيل يوميًا.
كما فقدت موسكو السيطرة على بعض أراضيها قرب كورسك، وانسحبت قواتها البحرية من البحر الأسود، بل واغتيل أحد كبار جنرالاتها داخل العاصمة موسكو.
لماذا هذا مهم؟
الحرب في أوكرانيا لم تؤثر فقط على مكانة روسيا في أوروبا، بل تسببت في تراجع نفوذها في مناطق كانت تعتبرها ساحة نفوذ تقليدية، ففي القوقاز، لم تتمكن روسيا من منع سيطرة أذربيجان الكاملة على ناغورنو كاراباخ في عام 2023، مما أدى إلى نزوح أكثر من 100 ألف أرمني، في مشهد وصفه البعض بأنه أكبر عملية تطهير عرقي في المنطقة منذ حروب البلقان.
أما في الشرق الأوسط، فقد تراجعت قدرة موسكو على التأثير في الصراعات، حتى أن حليفها السوري بشار الأسد فقد سلطته لصالح مجموعات معارضة في ديسمبر 2024، في انتكاسة لم تكن موسكو قادرة على منعها بسبب استنزافها في أوكرانيا، كما أن استمرار الضربات الإسرائيلية على القوات الإيرانية في سوريا ولبنان أظهر عجز روسيا عن حماية حلفائها.
اقتصاديًا، يواجه الكرملين صعوبات كبيرة، حيث يشكل الإنفاق العسكري 40% من ميزانية الدولة، ويحتاج النظام إلى 20 مليار دولار سنويًا لتغطية تكاليف تجنيد الجنود الجدد، ومع تضخم الاقتصاد وتراجع احتياطيات النقد الأجنبي، بات الحفاظ على الاستقرار الداخلي تحديًا حقيقيًا للقيادة الروسية.
ماذا بعد؟
رغم هذه الانتكاسات، لا تزال روسيا لاعبًا خطيرًا على الساحة الدولية، فقد سمح التحكم المركزي في الاقتصاد بإعادة بناء الجيش بسرعة، كما أن الدعم الصيني المستمر يمنح موسكو متنفسًا لمواصلة الحرب.
ومع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تأمل موسكو في تخفيف الضغط الغربي، خاصة أن الرئيس الأمريكي الجديد معروف بإعجابه بفلاديمير بوتين ورغبته في إنهاء الحرب عبر “صفقة” قد تسمح للكرملين بادعاء النصر.
ومع ذلك، فإن عزلة روسيا المتزايدة قد تجعلها أكثر عدوانية، فالتاريخ يظهر أن موسكو، عندما تشعر بأنها محاصرة، تلجأ إلى تحركات غير متوقعة.
ومع وجود القيادة الروسية في موقف دفاعي، قد تلجأ إلى تصعيد أكبر، سواء في أوكرانيا أو في مناطق أخرى، وربما حتى باستخدام التهديد النووي لفرض إرادتها.
بينما يعاني “القيصر الجريح” من جراحه العميقة، لا تزال قدرته على توجيه الضربات قائمة، مما يجعل العالم في حالة تأهب دائم لأي خطوة غير متوقعة من موسكو.