كتب – ياسين أبو العز
في ظل التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم في مسألة تجارة المخدرات، تتصدر باكستان قائمة البلدان التي تواجه تحديات متزايدة من هذه التجارة غير القانونية، والتي تعد جزءًا كبيرًا من الاقتصاد غير الرسمي. ومن بين هذه المخدرات، يُعد القنب “الحشيش” واحدًا من أكثر الأنواع تأثيرًا في حياة العديد من الناس في باكستان، حيث يساهم في الاقتصاد المحلي بشكل غير مباشر وفي الوقت نفسه يُشكل تهديدًا اقتصاديًا واجتماعيًا.
الموقع الجغرافي وأثره في تجارة المخدرات
تتمتع باكستان بموقع جغرافي استراتيجي يجعلها مركزًا رئيسيًا في تجارة المخدرات العالمية. فالحدود الواسعة التي تشترك فيها باكستان مع أفغانستان، والتي تعد واحدة من أكبر منتجي القنب في العالم، تسهل تهريب المخدرات عبرها إلى أسواق العالم. ويشهد شمال باكستان والعديد من المناطق الحدودية نشاطًا مكثفًا في زراعة وإنتاج القنب، الذي يُهرب إلى الخارج أو يُستهلك داخليًا.
الاقتصاد غير الرسمي وتجارة القنب
منذ عقود، يُعتبر القنب أحد المكونات الأساسية للاقتصاد غير الرسمي في باكستان. وأظهرت الدراسات أن زراعة القنب في المناطق الريفية توفر مصدر دخل أساسي للمزارعين المحليين، الذين لا يستطيعون الوصول إلى الأسواق العالمية أو الحصول على الدعم الحكومي. وبالرغم من أن الحكومة تحارب هذه الزراعة، إلا أن القنب ما يزال يُزرع في مناطق نائية ويُحصد بانتظام.وتساهم تجارة القنب في خلق فرص عمل غير رسمية في العديد من القطاعات، مثل النقل، والتوزيع، والتخزين. وبينما يحقق البعض أرباحًا كبيرة من تجارة القنب، فإن هذه الأموال لا تدخل في الاقتصاد الرسمي، مما يحد من قدرة الدولة على فرض الضرائب وتنظيم النشاط الاقتصادي.
تأثير القنب على الاقتصاد المحلي
في بعض المناطق الريفية، يمكن أن يُنظر إلى القنب كمصدر أساسي للدخل، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، لكن في المقابل، يؤدي انتشار زراعة القنب إلى تهميش أنشطة الزراعة التقليدية، مثل زراعة الحبوب والخضروات. كما أن تجارة المخدرات غير القانونية تؤدي إلى تحفيز الفساد وتفاقم القضايا الأمنية في بعض المناطق، مما ينعكس سلبًا على استقرار الاقتصاد المحلي.ومن جانب آخر، لا يمكن تجاهل دور القنب في الاقتصاد غير الرسمي كأحد أكبر الصناعات التي تساهم في استثمارات ضخمة ولكنها تبقى غير مرئية على مستوى الحكومة. وفي بعض الحالات، تعود العائدات الناتجة عن تجارة القنب إلى مافيا المخدرات، مما يؤدي إلى عدم استفادة البلاد بشكل كامل من هذه الإيرادات.
القنب كأداة للتنمية الاقتصادية؟
في ظل النقاشات الدائرة عالميًا حول تقنين المخدرات، بدأت بعض الدول، مثل كندا وأجزاء من الولايات المتحدة، في تقنين القنب لتحقيق عوائد اقتصادية عبر الضرائب والعائدات القانونية. وإذا كانت باكستان تسعى لتحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي، قد يكون من المفيد النظر في إمكانية تقنين القنب كمنتج قانوني يخضع للرقابة. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة قد تواجه معارضة قوية من الجهات المحافظة، إلا أن التجارب العالمية تشير إلى إمكانية استفادة باكستان من سوق القنب القانوني.قد يسهم تقنين القنب في تقليل الفساد المرتبط بتجارة المخدرات غير المشروعة، وتوجيه الأموال نحو الأنشطة الاقتصادية الرسمية. كما يمكن أن يساعد هذا القرار في جذب الاستثمارات، وتحسين البنية التحتية في المناطق المتأثرة من تجارة المخدرات، وتحقيق عوائد ضريبية كبيرة يمكن أن تُستخدم لدعم الاقتصاد الوطني.
تأثير تجارة المخدرات على الاقتصاد الكلي
إلى جانب التأثيرات المحلية في المناطق المعنية، فإن تجارة المخدرات تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الكلي في باكستان. فعلى الرغم من أن عائدات تجارة المخدرات غير المشروعة قد تسهم في تحفيز بعض القطاعات المحلية، فإنها تؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الأمن والمكافحة، مما يحد من إمكانية استثمار الأموال في مجالات أخرى مثل التعليم والصحة.كما أن تجارة المخدرات تشكل عبئًا على النظام القضائي في باكستان، حيث تتطلب محاكمات ضخمة لمكافحة الجريمة المنظمة والاتجار بالمخدرات. ويؤدي هذا إلى زيادة التكاليف الأمنية ويضعف قدرة الحكومة على تحسين نوعية الحياة للمواطنين.
تحديات المواجهة والسياسات الحكومية
تحارب الحكومة الباكستانية تجارة المخدرات بكل قوتها، وتنفق موارد ضخمة لمكافحة الاتجار في المخدرات. ورغم ذلك، فإن نجاح هذه السياسات يبقى محدودًا، وذلك بسبب الفساد المستشري في بعض المؤسسات الحكومية، ووجود شبكات تجارية متشابكة تنشط في تجارة المخدرات على نطاق واسع.وعلى الرغم من محاولات الحكومة لتحسين الوعي بمخاطر المخدرات، فإن السوق المحلية والعالمية تظل محط اهتمام كبير بالنسبة للمصنعين والموزعين. ورغم ذلك، تواصل السلطات الباكستانية جهودها لتقليص هذه التجارة من خلال التعاون مع وكالات الأمن الدولية وتطوير برامج التوعية المجتمعية.