العراق وسوريا.. ما مصير العلاقة الملتهبة بين البلدين؟

لقاء قادة العراق وسوريا مع أمير قطر

ماذا حدث؟

تسود أجواء من التوتر والتحفظ العلاقات الرسمية بين بغداد ودمشق منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر الماضي، في تحول دراماتيكي حوّل العلاقة إلى ما يشبه “المعضلة الصامتة”.

التعاطي العراقي مع الملف السوري بات ملفتًا، حيث يُدار بصمت وحيطة وكأن العلاقة أصبحت “تابوًا سياسيًا”، تحاول الحكومة العراقية تجنّب تسليط الأضواء عليها، حتى عندما يحدث تواصل مباشر على أعلى المستويات.

ظهر هذا التوجّه بوضوح في أواخر العام الماضي، عندما زار رئيس جهاز الاستخبارات العراقي، حميد الشطري، دمشق والتقى بالرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، دون أي إعلان رسمي عراقي، حتى تسربت أخبار اللقاء من وسائل الإعلام السورية.

وتكرر السيناريو نفسه مؤخرًا، حينما التقى رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بالشرع في العاصمة القطرية الدوحة، برعاية من أمير قطر.

اللقاء فجّر جدلاً واسعًا داخل العراق، حيث عبّر كثيرون على منصات التواصل الاجتماعي عن رفضهم لتقارب السوداني مع الشرع، الذي يُتهم من قِبل بعض الفصائل بضلوعه في سفك دماء العراقيين خلال فترة نشاطه الجهادي، وهناك من ذهب إلى حد القول إنه “مطلوب قضائيًا”.

هذه المزاعم طغى عليها التضارب، خاصة بعد صدور بيان رسمي من مجلس القضاء الأعلى العراقي ينفي فيه صحة مذكرة القبض التي جرى تداولها على مواقع التواصل، واصفًا إياها بأنها “مزورة”.

لماذا هذا مهم؟

تكمن أهمية هذا الحدث في تداعياته على السياسة الإقليمية والتوازنات الدقيقة داخل العراق، فلقاء السوداني للشرع ليس مجرد لقاء بروتوكوليًا، بل يحمل في طياته دلالات سياسية عميقة، تعكس تمايزًا لافتًا في توجهات رئيس الوزراء عن التيار الشيعي التقليدي ضمن “الإطار التنسيقي”، الذي غالبًا ما يخضع لإملاءات إيرانية مباشرة.

وفي ظل الغموض الذي يحيط بموقف العراق الرسمي من النظام السوري الجديد بقيادة الشرع، فإن هذا اللقاء يمثل تحولًا في نمط التعاطي العراقي مع دمشق، بعيدًا عن الأطر الطائفية والتحريضية التي خنقت البلد طيلة عقدين من الزمن.

أما من الناحية القانونية، فإن رؤساء الدول يتمتعون بحصانة دولية تُجنّبهم الملاحقة القضائية في أراضي الدول الأخرى، ما لم تكن هناك مذكرة توقيف صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر لا ينطبق على الشرع، بحسب السجلات الرسمية.

ماذا بعد؟

المستقبل القريب مرهون بقدرة الحكومة العراقية على إدارة هذا الملف بتوازن دقيق، يضمن مصالح البلاد دون الانجرار إلى الاصطفافات الإقليمية.

السوداني يبدو عازمًا على إعادة رسم مسار العلاقات مع سوريا ببراغماتية، حيث تتطلب الجغرافيا والتاريخ والمصالح المشتركة فتح قنوات الحوار مع الجار الغربي، لا الدخول في صراع عبثي جديد.

ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة، فالأصوات الرافضة لأي تقارب مع الشرع لن تختفي، لا سيما في ظل استمرار الخطاب الطائفي لبعض الفصائل، وتحريضها على تحويل سوريا إلى ساحة تصفية حسابات عقائدية، ويبدو أن طهران تتابع هذه التحركات بقلق، خاصة وأنها ترى في تقارب بغداد مع دمشق “الجديدة” تهديدًا لمشروعها في المنطقة.

بالتالي، قد يكون اللقاء بين السوداني والشرع بداية صفحة جديدة في العلاقات بين العراق وسوريا، أو ربما نقطة اشتعال جديدة إذا لم تحسن بغداد إدارة هذا التوازن.

ما هو مؤكد أن مصير العلاقة بين البلدين لم يُحسم بعد، لكنه حتمًا لن يكون بمعزل عن صراع القوى داخل العراق وخارجه.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *