ماذا حدث؟
تصاعدت حدة الخلافات السياسية داخل العراق على خلفية مشروع قانون “الخدمة والتقاعد للحشد الشعبي”، حيث تسبب البند المتعلق بسن التقاعد في انقسام داخل الكتل الشيعية.
إذا تم تمرير القانون بصيغته الحالية، فإن رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، الذي يتجاوز عمره السن القانوني، سيُحال إلى التقاعد، مما أثار جدلًا واسعًا بين الأطراف المتنافسة على النفوذ داخل الحشد.
وينقسم المشهد إلى معسكرين؛ الأول بقيادة نوري المالكي، زعيم ائتلاف دولة القانون، وقيس الخزعلي، زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق، اللذين يسعيان لتمرير القانون بصيغته الحالية.
أما الفريق الثاني، فيضم عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة، وهادي العامري، قائد منظمة بدر، إضافة إلى رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، حيث يطالبون بتأجيل القانون حتى إيجاد مخرج يسمح ببقاء الفياض وقادة آخرين في مناصبهم.
وفي محاولة لحل الخلاف، عُقدت اجتماعات مكثفة بين قادة الإطار التنسيقي الشيعي، ووفقًا للنائب شيروان الدوبرداني، تم التوصل إلى اتفاق يمنح رئيس الوزراء صلاحيات تمديد خدمة القادة العسكريين لمدة تصل إلى خمس سنوات، مما قد يتيح للفياض البقاء في منصبه لفترة أطول.
لماذا هذا مهم؟
الحشد الشعبي، الذي تأسس عام 2014 عقب فتوى المرجعية الشيعية لمواجهة تنظيم داعش، تحول من تشكيل عسكري إلى قوة سياسية وأمنية ضخمة تضم نحو 250 ألف عنصر، وفق تقارير معهد واشنطن.
ومع تراجع التهديدات الأمنية، ازدادت مخاوف بعض الجهات السياسية من تمدد نفوذ الحشد داخل المؤسسات الحكومية، مما أدى إلى مطالبات بضرورة إعادة هيكلته.
الحشد أدى دوره العسكري، لكنه أصبح لاعبًا سياسيًا مؤثرًا، ما يجعل السيطرة عليه أمرًا ضروريًا للحفاظ على توازن السلطة.
إضافة إلى ذلك، تُعتبر هيئة الحشد قوة تصويتية مؤثرة، حيث تمتلك القدرة على حصد أكثر من 20 مقعدًا في البرلمان العراقي، ما يجعلها محط صراع بين الكتل السياسية الساعية للسيطرة عليها، خاصة مع اقتراب الانتخابات البرلمانية.
من جهة أخرى، فإن إقرار القانون قد يُثير أزمات دولية، إذ إن بعض الفصائل الموالية لإيران داخل الحشد استخدمت نفوذها لتهديد المصالح الأمريكية في العراق، وإضفاء الطابع القانوني على هذه الفصائل سيعزز ارتباطها بإيران، مما قد يؤثر على علاقات العراق مع واشنطن وحلفائها.
ماذا بعد؟
وسط هذه التعقيدات، توصلت الكتل السياسية إلى اتفاق لتمرير قانون الحشد الشعبي بالتزامن مع قانونين آخرين مثيرين للجدل، هما قانون النفط والغاز وقانون المساءلة والعدالة، في “سلة واحدة”، وهو ما اعتبره بعض النواب “تحايلاً تشريعيًا” يخدم المصالح السياسية على حساب المصلحة العامة.
في الوقت ذاته، تتواصل أزمة تأخر الرواتب في إقليم كردستان، حيث يضطر آلاف الموظفين إلى البحث عن أعمال إضافية لتغطية نفقاتهم بسبب عدم انتظام التحويلات المالية من بغداد.
على الرغم من التوصل إلى اتفاق جديد بين الحكومة المركزية والإقليم لحل المشكلة، فإن المخاوف لا تزال قائمة من عدم التزام الطرفين بتنفيذ الاتفاق، كما حدث في محاولات سابقة.
وقد أدت الاحتجاجات المتواصلة في السليمانية إلى تصعيد المطالب بتنفيذ قرار المحكمة الاتحادية بتوطين الرواتب في المصارف العراقية، مما يضمن صرفها بانتظام، ورغم إعلان القضاء العراقي دعمه لهذا القرار، إلا أن التنفيذ الفعلي لا يزال يواجه عراقيل سياسية وإدارية.
المشهد في العراق يشير إلى أن أزمتي الحشد الشعبي والرواتب لا تتعلقان فقط بإدارة المؤسسات، بل تمثلان جزءًا من صراع أعمق على السلطة والنفوذ داخل البلاد، وبينما تسعى بعض الأطراف لضبط هذه الملفات، فإن أي تأخير في إيجاد حلول عملية قد يفاقم التوترات ويؤثر على استقرار العراق في المستقبل القريب.