ماذا حدث؟
اندلعت مجددًا نيران الحرب على الساحة اللبنانية، بعدما شن الجيش الإسرائيلي موجة جديدة من الغارات على أهداف تابعة لحزب الله في جنوب لبنان.
وأوضح بيان الجيش الإسرائيلي أنه استهدف عشرات من منصات إطلاق الصواريخ، إضافة إلى مركز قيادة تابع للجماعة المسلحة، بعد رصد صواريخ عبرت الحدود وتم اعتراض بعضها في وقت سابق من اليوم.
في المقابل، أفادت الوكالة الوطنية للإعلام في لبنان أن الجنوب اللبناني شهد تصعيدًا غير مسبوق، حيث طالت الغارات بلدات حدودية وتلالًا ممتدة حتى عمق ثمانية كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية.
وذكرت وزارة الصحة اللبنانية أن الغارات أسفرت عن مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين.
كما استهدفت الضربات معبرًا حدوديًا بين بلدتي القصر وحوش السيد علي، إضافة إلى مناطق مثل النبطية وسهل النبي شيت في بعلبك وحي الرمل في صور.
ولم تتوقف الغارات عند ذلك الحد، بل طالت أيضًا وادي بلدتي فرون والغندورية في القطاع الأوسط ومنطقة بصليا عند أطراف جباع في إقليم التفاح.
في خضم هذه الأحداث، نفى حزب الله أي صلة له بإطلاق الصواريخ، مشددًا على تمسكه باتفاق وقف إطلاق النار الذي رعته واشنطن في نوفمبر الماضي.
مع ذلك، لا تزال هوية الطرف الذي أطلق الصواريخ مجهولة، وفق مصادر إسرائيلية، وسط حالة من التوتر الشديد بين الطرفين.
لماذا هذا مهم؟
التصعيد الأخير بين إسرائيل وحزب الله يعيد الأذهان إلى مرحلة شديدة الحساسية في تاريخ المواجهات بين الطرفين، ويكشف عن هشاشة اتفاق وقف إطلاق النار الموقع قبل أشهر قليلة، والذي كان ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، وتجريد حزب الله من سلاحه هناك، وتسليم المسؤولية كاملة إلى الجيش اللبناني.
لكن هذه التطورات تعكس واقعًا مغايرًا لما كان يأمل به الوسطاء الدوليون، إذ لا تزال البنية التحتية العسكرية لحزب الله قائمة، وفق اتهامات إسرائيل، التي حملت الحكومة اللبنانية كامل المسؤولية عن أي خرق يتم عبر حدودها.
محليًا، أمر الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون الجيش بالتحرك لتأمين الحدود ومنع أي تفلت قد يجر لبنان إلى مستنقع صراع جديد. وصرح الجيش اللبناني بأنه فكك ثلاث منصات لإطلاق الصواريخ في الجنوب.
ومع ذلك، يبدو أن الرسائل بين الأطراف الإقليمية تتخطى الداخل اللبناني، إذ يرى مراقبون أن التصعيد يحمل بصمات تدخلات إيرانية في إطار سياسة “وحدة الساحات” التي تهدف لإشغال إسرائيل على أكثر من جبهة.
تحذيرات دولية، خصوصًا من مصر، لم تتأخر، حيث دعت القاهرة إلى ضرورة الالتزام بقرار مجلس الأمن 1701، وحذرت من انزلاق الوضع إلى تصعيد أشمل قد يهدد استقرار المنطقة بأسرها.
كما شددت قوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان على أن الوضع لا يزال هشًا للغاية وأن أي خطأ قد يفضي إلى عواقب وخيمة.
ماذا بعد؟
تلوح في الأفق ملامح سيناريوهات معقدة بعد هذا التصعيد، خصوصًا مع التهديدات المتزايدة من إسرائيل التي أكدت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أنها لن تتهاون مع أي اعتداء على أراضيها، مشيرًا إلى استعداد الجيش “للتحرك بقوة” في الجنوب اللبناني.
على الضفة الأخرى، تُطرح تساؤلات حول موقف حزب الله، الذي رغم نفيه الرسمي للضلوع في إطلاق الصواريخ، يبقى في قلب الاتهامات الإسرائيلية والدولية، وسط مخاوف من أن يكون هناك جناح غير منضبط داخل الحزب أو من فصائل أخرى تسعى لإعادة إشعال فتيل الحرب في لبنان.
التطورات القادمة تعتمد إلى حد كبير على قدرة المجتمع الدولي والوساطات الإقليمية، خاصة اللجنة الخماسية، في احتواء هذا التصعيد قبل أن يتحول إلى مواجهة مفتوحة.
التحذيرات من استهداف العاصمة بيروت ليست بعيدة عن حسابات صناع القرار في لبنان، وسط تحذيرات من محللين سياسيين بأن استمرار التصعيد قد يدفع بالبلاد إلى أزمة جديدة، قد تكون أخطر من جولات التصعيد السابقة.