ماذا حدث؟
في واحدة من أكثر فصول التوتر التجاري بين الولايات المتحدة والصين حدة، تبادلت القوتان الاقتصاديتان الأكبر عالميًا فرض رسوم جمركية ضخمة، ما أدى إلى تعطيل كبير في سلاسل التوريد العالمية.
وسط هذه الحرب التجارية المتصاعدة، وجد “فول الصويا” نفسه في عين العاصفة، لا بوصفه مجرد محصول زراعي، بل أداة ضغط سياسي واقتصادي تستخدمها بكين في مواجهة واشنطن.
كانت الولايات المتحدة تصدر نحو نصف إنتاجها السنوي من فول الصويا، وكانت الصين هي المستورد الأول لهذا المحصول، غير أن الرد الصيني على الرسوم الأمريكية شمل تقليص واردات فول الصويا الأمريكي، في خطوة ذكية تستهدف شريحة حيوية من الناخبين الأمريكيين: مزارعي فول الصويا الذين يعتمدون على التصدير بشكل كبير.
وفيما يعاني المزارعون الأمريكيون من هذا القرار، تلوح في الأفق فرص جديدة للبرازيل، المورد الأول لفول الصويا إلى الصين، وكذلك لتايوان وكوريا الجنوبية اللتين قد تلجآن إلى شراء الفول الأمريكي لتعزيز علاقاتهما مع البيت الأبيض.
لماذا هذا مهم؟
لا يتعلق الأمر بفول الصويا فحسب، فالحرب التجارية بين بكين وواشنطن لها تبعات عميقة تمتد إلى قطاعات استراتيجية، أبرزها بطاريات تخزين الطاقة.
الصين تمثل أكثر من 70٪ من واردات الولايات المتحدة من بطاريات الليثيوم أيون، والتي تُستخدم في تخزين الكهرباء من الشبكات الشمسية وتغذية أنظمة الطاقة خلال أوقات الذروة، فضلًا عن أهميتها العسكرية في تشغيل الطائرات بدون طيار والغواصات.
فرض رسوم بنسبة 145٪ على البطاريات الصينية قد يعيد تشكيل خريطة التوريد العالمية، دافعًا الولايات المتحدة نحو “إعادة التوطين” و”الصداقة الصناعية” مع حلفائها مثل كوريا الجنوبية واليابان وكندا.
لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود؛ فالمصانع الجديدة تحتاج سنوات للبناء، والاعتماد على الصين في مكونات حيوية مثل الغرافيت لا يزال قائمًا، ناهيك عن ضعف الطاقة الإنتاجية الحالية في الدول البديلة.
حتى البرازيل التي تبدو مستفيدة من انخفاض صادرات فول الصويا الأمريكي، تواجه معضلة معقدة، فهي من جهة تعاني من ضعف اقتصادي داخلي وارتفاع في أسعار الفائدة، ومن جهة أخرى تخشى من التعرض لرسوم جمركية مستقبلية قد تفرضها الصين أو الولايات المتحدة، ما يجعل موقفها دقيقًا بين قوتين متصارعتين.
ماذا بعد؟
الحرب التجارية بين واشنطن وبكين ليست مجرد مواجهة حول فائض أو عجز تجاري، بل صراع بنيوي حول النفوذ الاقتصادي العالمي.
فول الصويا، كمثال زراعي بسيط، يجسد هذا الصراع ويكشف هشاشة سلاسل التوريد العالمية المعولمة، في المقابل، قطاع البطاريات يكشف عن أبعاد أمنية واستراتيجية، حيث يتحوّل الاقتصاد إلى أداة من أدوات الصراع الجيوسياسي.
في المدى القريب، ستستمر الآلام: المزارعون الأمريكيون يعانون، والمصانع الأمريكية تبحث عن بدائل، والدول الحليفة تتخبط في إعادة ترتيب أولوياتها، أما على المدى البعيد، فقد يكون لهذه الأزمة جانب إيجابي يتمثل في تسريع الولايات المتحدة خطواتها نحو تحقيق الاكتفاء الصناعي، وتعزيز تحالفاتها الاقتصادية، واستثمار أكبر في تقنيات المستقبل.