ماذا حدث؟
في خطوة قد تعيد رسم خريطة المشهد السوري، أُعلن عن اتفاق تاريخي بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والسلطات الانتقالية الجديدة في دمشق، يقضي بإدماج القوات الكردية في مؤسسات الدولة.
هذا الاتفاق، الذي جاء عقب اجتماع بين رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، تضمّن ثمانية بنود محورية، أبرزها ضمان تمثيل جميع السوريين في العملية السياسية على أساس الكفاءة دون تمييز ديني أو عرقي.
كما أكد الاتفاق على وقف إطلاق النار في كافة أنحاء البلاد ودعم “قسد” للإدارة الانتقالية في مواجهتها لما وصفته بـ”فلول الأسد”.
وعلى جانب آخر، تم الكشف عن اتفاق عسكري بين التشكيلات المحلية المسلحة في السويداء والإدارة الجديدة، وهو اتفاق كان قيد التفاوض منذ أيام.
هذا التفاهم يهدف إلى ضبط الأمن وتفعيل الشرطة المدنية في المحافظة الجنوبية ذات الغالبية الدرزية، كما يفتح المجال لتشكيل لواء عسكري من أبناء السويداء.
لماذا هذا مهم؟
هذه الاتفاقات تحمل دلالات استراتيجية كبيرة خصوصًا أن الإعلان عنها تم بعد المجازر التي ارتكتبها ميليشيات تابعة للنظام ضد العلويين في الساحل السوري، إذ تمثل تحولًا في التحالفات الداخلية السورية، خاصة مع إشارات الدعم الإقليمي والدولي لهذه الخطوات، إذ رحّبت السعودية، على سبيل المثال، بقرار دمج المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية ضمن مؤسسات الدولة، معتبرة أن هذه الخطوة تعزز الاستقرار وتدفع نحو حل سياسي شامل.
يرى محللون أن هذا الاتفاق يوفر فرصة نادرة لتجنيب سوريا سيناريوهات العنف المتجدد، خاصة في ظل مساعٍ إقليمية لتنسيق الجهود الأمنية بين دول الجوار وسوريا في مواجهة خطر عودة تنظيم داعش.
كما أن الاتفاق قد يخفف من حدة التوترات بين دمشق والمكونات الكردية، خصوصًا مع التقارير التي تشير إلى أن واشنطن تفكر في سحب قواتها من سوريا، مما يضع “قسد” أمام خيارات محدودة، تجعل الاندماج مع الدولة السورية خيارًا عمليًا.
أما على صعيد السويداء، فإن هذه التفاهمات تعكس محاولات الحكومة الانتقالية لاحتواء التشكيلات المسلحة المحلية، وتهدئة مخاوف الدروز الذين لطالما أبدوا تحفظات على سياسات الحكم المركزي.
مع ذلك، لا يزال هناك تيار معارض داخل الطائفة الدرزية، يطالب بضمانات أكبر قبل الانخراط الكامل في المنظومة الأمنية للدولة.
ماذا بعد؟
رغم التفاؤل الحذر الذي يحيط بهذه الاتفاقات، لا تزال هناك تحديات تعترض طريق تنفيذها، فمن جهة، يواجه اتفاق “قسد” مع الحكومة الانتقالية مقاومة داخلية من بعض الفصائل الكردية المتشددة التي ترى في التقارب مع دمشق تهديدًا لمكتسباتها، كما أن بعض القوى الإقليمية، مثل إيران وتركيا، قد تحاول عرقلة تنفيذ الاتفاق وفقًا لمصالحها الخاصة.
أما فيما يتعلق باتفاق السويداء، فلا تزال هناك عقبات تتعلق بالثقة المتبادلة بين الفصائل المسلحة والدولة ودعم إسرائيل العلني لحقوق الدروز، إضافة إلى المخاوف من تداعيات هذه الخطوة على مستقبل الدور السياسي للطائفة الدرزية في سوريا.
هذه التطورات تمثل لحظة محورية في المشهد السوري، وقد تشكل بداية لمرحلة جديدة من إعادة ترتيب التحالفات وتحديد مسار مستقبل البلاد، لكن نجاحها مرهون بمدى قدرة الأطراف المعنية على تجاوز العقبات وضمان تطبيق البنود المتفق عليها بشكل عملي ومستدام.