ماذا حدث؟
أطلق رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تصريحات نارية ضد حكومة بنيامين نتنياهو، واصفاً إياها بـ”غير المسؤولة” ومحذراً من أن إسرائيل “تنهار” بسبب حرب استنزاف في غزة وأزمة داخلية متفاقمة.
في مقال نشرته صحيفة “هآرتس” ونقلته وسائل إعلام عربية مثل قناة “القاهرة الإخبارية”، دعا باراك إلى عصيان مدني شامل وإضراب عام بهدف إسقاط الحكومة أو إجبار نتنياهو على الاستقالة.
وصف باراك الوضع الراهن بأنه “مؤلم”، مشيراً إلى انهيار “الرؤية الصهيونية” وتحول إسرائيل إلى “دولة منبوذة” عالمياً، مع فقدان غالبية الشعب الثقة بالحكومة.
اجم باراك نتنياهو بشدة، متهماً إياه بالتخلي عن الأسرى الإسرائيليين في غزة لضمان بقائه في السلطة، وأشار إلى أن الجيش عالق في “مستنقع” غزة رغم “نجاحات عملياتية” في إيران، لبنان، وسوريا.
اقترح باراك أن يقود العصيان نخب سياسية، أكاديمية، نقابية، وتجارية، بما في ذلك رئيس الدولة، قادة المعارضة، نقابة “الهستدروت”، وقطاع “الهايتك”، محذراً من أن الصمت سيترك “وصمة عار” على الجميع.
هذه الدعوة ليست الأولى، حيث كرر باراك دعواته للعصيان منذ مايو 2025، لكن لهجته هذه المرة كانت أكثر حدة ويأساً.
لماذا هذا مهم؟
تصريحات باراك ليست مجرد نقد سياسي، بل تعكس أزمة وجودية داخل إسرائيل، حيث يكشف رئيس وزراء سابق وشخصية عسكرية بارزة عن عمق الانقسامات الاجتماعية والسياسية.
إسرائيل تواجه تحديات غير مسبوقة، فحرب مستمرة في غزة منذ أكتوبر 2023، أدت إلى خسائر عسكرية واقتصادية كبيرة، إلى جانب عزلة دبلوماسية متزايدة بسبب اتهامات بارتكاب جرائم حرب.
اتهام باراك لنتنياهو بالتخلي عن الأسرى يضرب في صميم الرواية الإسرائيلية التي تقدس “عدم ترك أحد خلف الظهر”، مما يغذي غضب عائلات الأسرى والجمهور.
دعوته للعصيان المدني، الذي يتطلب إغلاق البلاد بالكامل، تُعد خطوة غير مسبوقة منذ احتجاجات الإصلاح القضائي في 2023، وتظهر مدى فقدان الثقة بالمؤسسات الحاكمة.
باراك، الذي شغل مناصب رئيس الوزراء (1999-2001)، وزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش، يحظى بمصداقية لدى قطاعات علمانية وليبرالية، مما يجعل دعوته تهديداً محتملاً لنتنياهو، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات الداخلية.
ومع ذلك، يواجه نتنياهو دعماً قوياً من ائتلافه اليميني المتشدد، مما يعقد احتمالية تنفيذ عصيان واسع النطاق. التصريحات تأتي أيضاً في سياق توترات إقليمية، مع مفاوضات متعثرة لوقف إطلاق النار في غزة، وعمليات عسكرية في لبنان وسوريا، مما يزيد من الضغوط على الحكومة.
إذا نجحت دعوة باراك في حشد الشارع، فقد تكون شرارة لـ”انفجار داخلي”، كما يحذر المحللون.
ماذا بعد؟
نجاح دعوة باراك يعتمد على عدة عوامل:
أولاً، قدرة النخب التي دعاها- من قادة المعارضة، نقابات، وقطاعات اقتصادية مثل “الهايتك”- على توحيد الصفوف وتنظيم إضراب شامل.
في الماضي، كانت احتجاجات 2023 ضد الإصلاح القضائي ناجحة جزئياً بسبب مشاركة هذه القطاعات، لكن الانقسامات السياسية الحالية قد تعيق تكرار هذا السيناريو.
ثانياً، رد فعل الائتلاف الحاكم، حيث يتمتع نتنياهو بدعم شركاء متشددين مثل إيتمار بن غفير وبزاليل سموتريتش، الذين قد يصورون العصيان كـ”خيانة”، مما يعمق الصدع الاجتماعي.
ثالثاً، موقف الجيش والأجهزة الأمنية، التي قد ترفض تنفيذ أوامر قمع الاحتجاجات إذا تصاعدت، كما حدث بشكل محدود في 2023.
على المدى القصير، من المرجح أن تشهد إسرائيل تظاهرات واسعة، خاصة في تل أبيب، لكن إسقاط الحكومة يتطلب ضغطاً مستمراً ومنسقاً قد يستغرق أسابيع أو أشهر.
إذا فشل العصيان، قد يعزز ذلك موقف نتنياهو، الذي أظهر مرونة في مواجهة الاحتجاجات السابقة.
على المدى الطويل، تكشف تصريحات باراك عن أزمة هوية عميقة، قد تدفع إلى إعادة تقييم النظام السياسي الإسرائيلي، خاصة إذا استمرت الحرب في غزة أو تفاقمت العزلة الدولية.
في حال نجاح العصيان، قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة، لكن غياب بديل قوي لنتنياهو- مع تشرذم المعارضة- قد يحد من تأثير التغيير.
في كل الأحوال، تبقى إسرائيل على مفترق طرق، حيث يهدد الصدع الداخلي استقرارها أكثر من أي وقت مضى.