ماذا حدث؟
تتصاعد الأسئلة مجددًا حول طبيعة العلاقة بين إسرائيل وسوريا، في وقت تواصل فيه تل أبيب خطوات عسكرية مثيرة للجدل تجاوزت حدود الغارات الجوية المعتادة، لتصل إلى عمليات إنزال وتوغّل بري داخل الأراضي السورية.
وفي قلب هذا المشهد المضطرب، برزت محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية كورقة جديدة يلوّح بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مقدّمًا نفسه كحامٍ للأقليات في المنطقة.
ورقة الدروز.. ذريعة للتدخل
لم يأتِ استدعاء ملف الدروز في سوريا من فراغ.أولًا: يشكّل الدروز داخل إسرائيل أقلية معتبرة (نحو 130 ألفًا في الكرمل والجليل و20 ألفًا في الجولان المحتل)، فيما يلتحق كثير منهم بالجيش الإسرائيلي، وهو ما يجعل أي خطاب داعم لدروز الخارج ورقة رابحة تعزز ثقتهم بالدولة العبرية.
ثانيًا: يُسهم تبنّي نتنياهو لقضية الدروز في السويداء في ترسيخ صورة إسرائيل كـ”دولة حامية للأقليات”، وهو خطاب يلقى صدى دوليًا وإقليميًا وسط صراعات دموية متواصلة في سوريا.
ثالثًا: الأهمية الاستراتيجية لمحافظة السويداء، التي تشكّل مع درعا والقنيطرة شريطًا حدوديًا حساسًا، تجعل منها منفذًا لإسرائيل للمطالبة بجنوب منزوع السلاح بشكل كامل.
رابعًا: في ظل انهيار البنية الدفاعية السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد، يرى نتنياهو أن الساحة السورية مفتوحة أمام طموحاته التوسعية، في إطار ما يسميه بـ”إسرائيل الكبرى”.
لماذا هذا مهم؟
على وقع هذه التطورات، برزت مؤشرات على مساعٍ دبلوماسية لإعادة تفعيل اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974، الذي وُقّع برعاية الأمم المتحدة عقب حرب أكتوبر، ونصّ على وقف الأعمال القتالية في الجولان وإنشاء منطقة عازلة تخضع لرقابة قوات الأمم المتحدة (UNDOF).
وقد التقى وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني قبل أيام بوفد إسرائيلي في باريس بوساطة أميركية، لبحث ملفات تخص الجنوب السوري والاستقرار الإقليمي.
الاجتماع الأخير لم يكن الأول؛ إذ سبقه لقاء مشابه في يوليو مع وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمير، كما تحدّثت مصادر عن محادثات مباشرة جرت في باكو.
رسائل نتنياهو قبل لقاء محتمل
بعض التحليلات ترى أن تكثيف الضربات الإسرائيلية في سوريا يهدف لرفع شروط التفاوض، خصوصًا مع اقتراب لقاء محتمل بين نتنياهو والرئيس السوري أحمد الشرع في سبتمبر بالولايات المتحدة، والذي قد يشهد توقيع اتفاقية أمنية برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تمهيدًا لاتفاق سلام وتطبيع.
ماذا بعد؟
ورغم هذه المساعي الدبلوماسية، تواصل إسرائيل تنفيذ عمليات توغّل بري في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا منذ انهيار نظام الأسد، متجاوزة بذلك بنود اتفاق 1974 وقرارات الأمم المتحدة التي تشدد على احترام سيادة الدول.
هذا التناقض بين تحرّكات الدبابات والوعود بالسلام، يجعل الجنوب السوري ساحة مفتوحة لمزيد من المناورات، فيما يبقى ملف الدروز ورقة شديدة الحساسية في لعبة النفوذ الإسرائيلية.