أوروبا تبحث عن تشرشل.. هل يظهر الزعيم الذي يوحد القارة؟

#image_title

ماذا حدث؟

عُقد مؤتمر ميونيخ الأمني هذا الشهر وسط أجواء من القلق والتردد، حيث اجتمع القادة لمناقشة الأزمات العالمية، لكن دون تقديم حلول حاسمة.

أوروبا، التي كانت حجر الزاوية في النظام الغربي بعد الحرب العالمية الثانية، تبدو اليوم متخبطة بين شكوكها الداخلية وتصاعد التحديات الخارجية.

من الحرب في أوكرانيا إلى الاضطرابات في الشرق الأوسط، ومن تنامي نفوذ الصين إلى تراجع الدور الأمريكي التقليدي، تجد القارة نفسها في موقف لا تحسد عليه، تبحث عن رؤية واضحة، لكنها لا تجدها.

في العقود الماضية، كان يُنظر إلى الغرب ككتلة موحدة، لكن هذا المفهوم بدأ بالتآكل، خاصة مع صعود قادة ينتهجون نهجًا فرديًا، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حول التحالفات التاريخية إلى صفقات قائمة على المصالح المالية.

باتت أوروبا في مأزق، إذ لم تعد قادرة على الاعتماد على الولايات المتحدة كضامن للأمن والاستقرار، مما يفرض عليها إعادة التفكير في دورها ومصيرها في النظام العالمي المتغير.

لماذا هذا مهم؟

هذا الوضع ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل يعكس اختبارًا وجوديًا لأوروبا، فعلى مر التاريخ، استطاعت القارة مواجهة تحديات كبرى عبر الزعامة والرؤية الاستراتيجية، لكن اليوم، ومع غياب شخصية قيادية بحجم ونفوذ ونستون تشرشل، تبدو أوروبا مترددة وعاجزة عن تقديم مشروع موحد لمستقبلها.

في عام 1941، وسط ظلام الحرب العالمية الثانية، سافر تشرشل إلى الولايات المتحدة ليوقع الميثاق الأطلسي مع الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت، واضعًا حجر الأساس للنظام العالمي الحديث.

رغم المخاطر والتحديات، امتلك تشرشل الجرأة لترسم ملامح المستقبل، حتى عندما كان الحاضر قاتمًا.

أما اليوم، لا يوجد زعيم أوروبي يمتلك ذات الشجاعة والرؤية، مما يجعل القارة أشبه بسفينة بلا دفة، تبحر وسط العواصف دون وجهة محددة.

تحتاج أوروبا اليوم إلى ما هو أكثر من مجرد إدانات للعدوان الروسي أو الدعوات إلى مزيد من التكامل الدفاعي، فهي بحاجة إلى مشروع استراتيجي يعيد تعريف دورها على الساحة الدولية، ويعزز قدرتها على حماية مصالحها دون الاعتماد المطلق على واشنطن.

بدون هذا الاتجاه، ستظل القارة عالقة بين نزاعات لا تملك أدوات حسمها، وأزمات لا تمتلك الجرأة لحلها.

ماذا بعد؟

المؤتمر الأمني في ميونيخ كشف عن الحاجة الملحة لزعامة أوروبية قادرة على مواجهة هذا التحدي، لكن الأسئلة الكبرى لا تزال دون إجابة: هل تستطيع أوروبا تطوير استقلالية استراتيجية حقيقية؟ هل يمكنها الحفاظ على وحدتها وسط التباينات الاقتصادية والسياسية بين دولها؟ وما موقفها من الصين في ظل انسحاب أمريكي تدريجي من مشهد القيادة العالمية؟

المؤشرات الحالية لا تبشر بتغير جذري، إذ لا يزال الخطاب السياسي الأوروبي يفتقد إلى الحسم، وسط تصاعد المخاوف من أن يصبح الاتحاد الأوروبي قوة هامشية في عالم تتصارع فيه القوى الكبرى.

ومع ذلك، فإن التاريخ يثبت أن أوروبا قادرة على النهوض عندما تجد الإرادة السياسية والقيادة الحكيمة.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *