كتب : محمد الزمزمي
في الشرق الأوسط لدينا ولع غريب بصناعة الزعماء.. نأخذ رجلًا عاديًا من الشارع نضع على رأسه تاجًا، نصفق له حتى تتورم أكفّنا ، ثم بعد فترة نكتشف أنه إما طاغية، أو مجرد صورة مُعلقة على جدار أو “مشروع كابوس”، فنلعنه وندعو عليه ونتظاهر بأننا لم نكن من معجبيه أبدًا!
وأحمد الشرع؟
يا عزيزي واحد من أولئك الذين ذهبوا إلى النوم مجرد مقاتل يحمل بندقية صدئة، واستيقظ ليجد نفسه “سلطانًا”!
لكن لا تسرفوا في الفرح .. فالتاريخ يعلّمنا أن بعض العروش تصنع من الحرير، وبعضها الآخر من الديناميت.. والشرع، للأسف، جلس على النوع الثاني!
الكرسي الذي يجلس عليه اليوم ليس ثابتًا، بل يتأرجح بين ولاء مشكوك فيه، وتحالفات لا تطول وذئاب تنتظر لحظة الضعف لتقفز عليه.
فهل سيبقى سلطانًا؟ أم أنه مجرد مشهد عابر في مسلسل مليء بالوجوه التي تختفي قبل أن يحفظها الجمهور؟
وبينما يظن المسكين أنه يقود الحكاية، فإن هناك من يكتب له نهايتها في غرفة مظلمة!
“الإجماع” خدعة الموسم!
إذا سمعت يوما عن الذئاب التي قررت أن تصبح حملان وديعة؟ فأعلم أنك إما في كابوس، أو أنك تحضر مؤتمراً صحفياً لفصائل مسلحة تحاول أن تبدو حضارية!
بالأمس كانوا يتقاتلون على الغنائم مكبرين مهللين واليوم يعانقون بعضهم بعضا تحت راية “الشرع” لماذا؟ الحب؟ الحكمة؟ لا يا عزيزي..
إنها فقط اللعبة القديمة: إما أن تأكل.. أو تُؤكل!
باختصار:
مجموعة رجال، كل منهم يرى نفسه “صلاح الدين” ، اعتادوا أن يكون كل واحد منهم “الأمير”، واليوم أقنعهم أحمد الشرع أنهم إخوة في السلاح.. وصدقوا!
يا سلام! هؤلاء لو وجدوا في الأمر مصلحة، سيبايعون حتى صنمًا حجريًا في ساحة إدلب، المهم: “من يدفع، ومن يقسم الغنائم”!
وإلا؟ الرصاص موجود وأقرب إليهم من الدعاء!
السياسة هنا ليست كتبًا عن الديمقراطية، ولا مقالات عن الحرية.. بل هي عملية حسابية بسيطة: من يدفع أكثر، يحكم!
وإذا لم يُوزّع “السلطان” الغنائم بعدالة؟
سيتحول إلى قصة حزينة تُحكى في الخفاء.. وسيناريو النهاية مكتوب مسبقًا، مثل قوائم الطعام في مطعم سيئ السمعة:
- تمرد الفصائل: هؤلاء لا يتبعون قائدًا، بل يتبعون مصالحهم، واليوم الذي يشعرون فيه أن السلطان لم يعد مجديًا، سيبحثون عن بديل..
- زعيم جديد يظهر فجأة: يكفي أن يتعثر “الشرع” في خطابه، أو أن يرمش بطف عينه بطريقة لم تعجب أحد القادة، ليخرج عليهم شخص يعلن نفسه “المُخلّص” وأنا الزعيم !
- تحالفات على العشاء.. وانقلاب مع الفجر! السياسة هنا تحتاج إلى قهوة، وسيجارة، وكلمتين في الخفاء.. وفي الصباح، يستيقظ السلطان ليجد نفسه خارج الخدمة، أو خارج الدنيا تمامًا!
“المخرج عاوز كده!”
أما الدول الكبرى، فتجلس في كواليس المسرح تتابع المشهد.. لا تتدخل إلا عندما يحين الوقت!
ما إن يظهر صدع في هذا البناء الورقي، حتى تمتد الأيدي “للمساعدة”.. ليس بالحوار والسلام طبعًا، بل بالعصي والمتفجرات!
يا سادة، لا تتوقعوا أن يسمح الكبار لرجل مثل “الشرع” بأن يستقر.. المنطقة كلها مثل سيرك عالمي، والشرع مجرد واجهة مصنوعة بعناية مرسوم طريقها يستقبلونه اليوم ويستقبلهم ، لكن إن خرج عن النص سيصفقون لمنقذ آخر!
البعض يسأل: هل يمكن لأحمد الشرع أن يكون مثل الأسد؟
يا عزيزي، لا تستعجل.. الأسد، اتفقنا أو اختلفنا معه، لم يكن ينازعه على الحكم أمراء حرب، ولم يكن كل فصيل عنده جيشه وميزانيته الخاصة ومن يموله ويحركه !
الأسد كانت لديه دولة، مخابرات تحصي أنفاس الشعب و جيش يعرف كيف ينفذ الأوامر.. أما “الشرع”، فمعه رجال لم يدخلوا أكاديمية عسكرية، ولم يدرسوا استراتيجيات القتال ولا الولاء لوطن ، بل تمرسوا في الكمائن، والاغتيالات، ولعبة “إما أن تقتل.. أو تُقتل!”
هل يتوقع أن يراهم كل صباح مصطفين لتحيته؟!
يا مولانا، بعد فترة، سيحيّونك فعلًا.. لكن قد يكون ذلك من باب الخروج!
الخيارات أمام الشرع محدودة لللغاية :
- إما أن يحكم بالحديد والنار، وهنا قد يجد نفسه محاصرًا من الجميع!
- أو يحاول إرضاء الجميع، وعندها سيُؤكل حيًا قبل أن ينهي عامه الأول في الحكم!
وفي الحالتين، النهاية معروفة!
هذه المنطقة لا تحتمل الحياد، لا تعترف بالضعف، ومن يجلس على العرش، يجب أن يكون مستعدًا للقفز منه في أي لحظة!
السياسة هنا مثل السيرك.. والمهرج الذي يبتسم اليوم، قد يكون غدًا هو من يتلقى الضربة القاضية.
فهل يدرك أحمد الشرع أنه يسير فوق حبل مشدود، أم أنه سيظل يبتسم حتى يسقط، كما سقط من قبله زعماء انتهوا في حفرة، أو في المنفى، أو في صورة قديمة على الجدار، يتم نزعها بالأحذية وتمثال يسحل في الشوارع ؟!الأيام وحدها ستكشف..
لكن، كما علمنا التاريخ القوي هو من يقرر ! ومن يظن أنه استقر، فقد بدأ سقوطه بالفعل!”