هل تستطيع الصحافة الصمود في وجه الذكاء الاصطناعي؟

كتب- محمد النجار:

تواجه الصحافة تحديًا مصيريًا في عصر الذكاء الاصطناعي (AI)، حيث باتت مهددة بفقدان استمراريتها في ظل سيطرة الشركات التقنية الكبرى على الأسواق الإعلامية.

السؤال المحوري هنا: هل تستطيع الصحافة البقاء في وجه هذه التحولات؟ الإجابة تكمن في مدى قدرتها على التكيف مع النماذج الاقتصادية الجديدة وتبني سياسات تحمي حقوقها الفكرية.

أزمة الصحافة أمام التقدم التقني

في العقدين الماضيين، شهدت الولايات المتحدة تقلصًا حادًا في عدد الصحف بنسبة الثلث، وتراجع عدد الصحفيين بنسبة الثلثين، بالتزامن مع صعود شركات تقنية مثل “آبل”، “أمازون”، و”جوجل”.

وعلى الرغم من زيادة حركة المرور إلى المواقع الإخبارية بنسبة 43% خلال العقد الأخير، إلا أن الإيرادات انخفضت بنسبة 56%.

الذكاء الاصطناعي يعمق الجرح

يأتي الذكاء الاصطناعي ليزيد من تعقيد الوضع، فالأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي تعتمد على البيانات التي تنتجها الصحافة لتدريب نماذجها، إلا أنها لا تعوض الصحف عن هذا الاستغلال.

تُظهر التقارير أن المحتوى الصحفي، حتى المدفوع والموجود خلف جدران اشتراك، يتم استخدامه دون إذن أو تعويض مناسب.

الصحافة في مواجهة الذكاء الاصطناعي

رغم تحدياته، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل الصحافة البشرية التي تملك قدرة فريدة على التحقق من الوقائع، وإجراء المقابلات، ونقل الأحداث من قلب الميدان.

الصحافة أيضًا تُعد مصدرًا رئيسيًا للبيانات ذات الجودة العالية التي تعتمد عليها أنظمة الذكاء الاصطناعي، وبدونها، ستعاني هذه الأنظمة من التدهور وتصبح أكثر عرضة للانحراف والمعلومات المضللة.

كيف تبقى الصحافة؟

بحسب روشتة الخبراء، فلضمان بقاء الصحافة، يجب اتخاذ خطوات جادة لحماية حقوق النشر ومنح المؤسسات الإعلامية القدرة على التفاوض مع عمالقة التقنية. تشمل الحلول:

– تبني قوانين للمساومة الإعلامية: كما هو الحال في أستراليا وكندا، يمكن للصحفيين والناشرين المطالبة بتعويضات عادلة من الشركات التقنية مقابل استخدام محتواهم.

– اتفاقيات الترخيص: بدأت بعض الشركات مثل “OpenAI” بإبرام اتفاقيات مع كبرى المؤسسات الإعلامية للحصول على حقوق نشر المحتوى مقابل تعويض مادي، ولكن المؤسسات الصغيرة والمحلية ما زالت بحاجة إلى دعم مماثل.

– الإطار التنظيمي: تحتاج الحكومات إلى فرض تشريعات تضمن عدالة استخدام المحتوى الصحفي وتوزيع الإيرادات بشكل يعزز الاستقلالية الإعلامية.

– الابتكار في الاستراتيجيات الاقتصادية: يجب على المؤسسات الصحفية تبني نماذج تسعير ديناميكية واستغلال الذكاء الاصطناعي لتعزيز إيراداتها، سواء من خلال الاشتراكات أو الإعلانات أو الترخيص.

مستقبل الصحافة في عصر الذكاء الاصطناعي

بقاء الصحافة يعتمد على قدرتها على التعاون والتكيف، لذلك يجب أن تتوحد المؤسسات الإعلامية، صغيرة كانت أم كبيرة، لتأمين حقوقها في العصر الرقمي

 كما أن الاستثمار في العنصر البشري هو المفتاح لاستدامة المهنة، فالصحفيون، بخبراتهم وقدرتهم على الوصول إلى الحقيقة، هم الأساس الذي يمكن أن تستند عليه الصحافة في مواجهة الذكاء الاصطناعي.

ختامًا، معركة الصحافة للبقاء في عصر الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مسألة اقتصادية، بل هي قضية ترتبط بالديمقراطية وحرية التعبير، فإذا ما أُحسن التعامل مع هذه التحديات، يمكن للصحافة أن تزدهر في عصر الذكاء الاصطناعي، لا أن تتلاشى.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *