ماذا حدث؟
يشهد العالم طفرة غير مسبوقة في تطور الذكاء الاصطناعي، ولا سيما النماذج التوليدية (genAI)، التي أثبتت قدرتها المتزايدة على تنفيذ المهام المعقدة وتحليل البيانات والتفاعل اللغوي.
هذه القفزة التقنية دفعت عددًا من الباحثين، من بينهم ديفيد م. بيرن وبول إي. سوتو، إلى دراسة الأثر المحتمل لهذه النماذج على النمو الاقتصادي والإنتاجية، مستندين إلى فرضية تعتبر الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا عامة الغرض (GPT) – على غرار الابتكارات الكبرى كالدينامو الكهربائي والحاسوب.
وقد شمل البحث تحليلًا لأربعة قطاعات رئيسية يتوقع أن يحقق فيها الذكاء الاصطناعي تأثيرًا جذريًا.
في قطاع توليد الكهرباء ونقلها، يتم استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الشبكات ومنع الانقطاعات عبر التحليلات التنبؤية وصور الأقمار الصناعية.
أما في مجال الرعاية الصحية، فهو يساعد في تشخيص الأمراض وتقليل العبء الإداري مثل جدولة المواعيد وتوثيق الحالات، وفي القطاع المالي، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين إدارة المخاطر، واكتشاف الاحتيال، وتطوير التداول الخوارزمي.
وأخيرًا، في قطاع المعلومات، يعزز الذكاء الاصطناعي تطوير البرمجيات وخدمة العملاء والتصميم الجرافيكي.
لماذا هذا مهم؟
تكمن أهمية هذا التحول في إمكانية الذكاء الاصطناعي ليس فقط في تحسين الإنتاجية، بل في تغيير طريقة تطوير الابتكارات ذاتها، فالمؤشرات تشير إلى أن البحث العلمي أصبح أكثر تعقيدًا وتكلفة، ما يصعب التقدم في الحدود المعرفية، وإذا تمكن الذكاء الاصطناعي من رفع كفاءة البحث والتطوير، فقد يقود ذلك إلى تسارع النمو الإنتاجي على المدى الطويل.
لكن، ورغم هذا التفاؤل، فإن هناك ثلاثة تحديات رئيسية أمام تبني الذكاء الاصطناعي:
أولًا، سرعة تطور التكنولوجيا تجعل من الصعب التنبؤ بتأثيراتها طويلة المدى، خاصة مع بروز مفهوم “الذكاء الاصطناعي الاستنتاجي” الذي يسعى لتجاوز مشكلات الهلوسة التي تنتج عن التفسير الخاطئ للنصوص.
ثانيًا، قياس الإنتاجية في بعض القطاعات مثل الصحة والمعلومات لا يزال صعبًا، مما يعيق التنبؤ الدقيق بالتأثيرات.
ثالثًا، يمثل تغيير العمليات المؤسسية عائقًا كبيرًا، إذ يتطلب تدريبًا ومهارات جديدة، إضافة إلى مقاومة التغيير لدى بعض العاملين والإدارات.
ماذا بعد؟
رغم أن تبني الذكاء الاصطناعي التوليدي لا يزال بطيئًا نسبيًا، إلا أن المؤشرات الأولية والنتائج البحثية تبرر التفاؤل، فالذكاء الاصطناعي لا يُبشّر فقط بعصر جديد من الأتمتة، بل يُعيد تشكيل الطريقة التي نبتكر بها ونفكر وننتج.
ومع مرور الوقت، قد يتحول الذكاء الاصطناعي إلى محرك رئيسي يدفع اقتصادات العالم نحو آفاق غير مسبوقة من النمو.
لكن، الطريق ما زال محفوفًا بالتحديات: من تكلفة التبني، إلى الحاجة لفهم أفضل لقدرات التكنولوجيا وحدودها، إلى ضرورة وضع أطر تنظيمية تضمن الاستخدام الأخلاقي والفعال.
ومع ذلك، تبقى الحقيقة الأهم أن الذكاء الاصطناعي – إن تم استثماره بالشكل الصحيح – قد يكون المفتاح لنمو اقتصادي شامل ومستدام في العقود القادمة.