في 30 مارس 2022، كتب الجندي الأوكراني والمسعف القتالي نازار أوشيريتني رسالة قصيرة إلى والدته قائلاً: “مرحبًا أمي، كل شيء على ما يرام. سأكون غير متصل لفترة طويلة، ربما أسبوع أو شهر. لا تقلقي.” ومنذ ذلك اليوم لم تسمع والدته، فالنتينا أوشيريتنا، أي خبر عنه، حتى بعد مرور ثلاث سنوات على الحرب.
نازار هو واحد من بين نحو 60 ألف شخص، عسكريين ومدنيين، مُدرجين في سجل الحكومة الأوكرانية للمفقودين في ظروف خاصة، لكن الأرقام غير الرسمية قد تكون أعلى بكثير.
في ظل استمرار الحرب وتغير طبيعة القتال مع استخدام الطائرات المسيّرة على نطاق واسع، أصبح العثور على المفقودين واستعادة الجثث من ساحات المعارك تحدياً هائلًا للسلطات الأوكرانية.
جثامين في حقيبة واحدة
في فبراير الماضي، تمكنت أوكرانيا من استعادة جثامين 757 جنديًا ضمن عمليات تبادل الجثامين مع روسيا، لكن هذه الخطوة لم تُغلق جراح العائلات، فكثير من الجثث تصل في حالة يصعب التعرف عليها، مجزأة أو متفحمة أو متحللة.
يقول رسلان عباسوف، نائب مدير المركز الوطني للأبحاث الجنائية: “أصعب الحالات هي عندما تصل حقيبة تحتوي على عشرات الأشلاء ولا نعلم هل تعود لشخص واحد أم لعشرة.”
ورغم أن بعض الجثث تُرفق ببيانات هوية أولية، إلا أن التأكد منها يستلزم فحصًا إلزاميًا للحمض النووي. وأحياناً، تكتشف الفحوصات أن الهوية المبدئية خاطئة تمامًا.
استخدام التكنولوجيا
أمام هذه التحديات، اتجهت أوكرانيا لاستخدام التكنولوجيا الحديثة، ففي سابقة هي الأولى، نشرت الشرطة الوطنية في فبراير صوراً بتقنية إعادة بناء الوجوه ثلاثية الأبعاد لخمسة أشخاص مجهولي الهوية.
وأوضحت خريستينا بوديرياكو، رئيسة قسم التحقيق في جرائم الحرب، أن هذه التقنية تُعيد تشكيل ملامح الوجه بناءً على هيكل الجمجمة والمعلومات الجينية، بما يشمل لون البشرة والشعر وتفاصيل العمر التقريبي.
إلى جانب ذلك، تستخدم أوكرانيا برامج للتعرف على الوجوه، منها تطبيق Clearview AI الذي يتيح تتبع صور المفقودين عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقول السلطات إن هذه الأدوات ساعدت في رصد بعض الأسرى الأوكرانيين من خلال صور نُشرت على قنوات تابعة لروسيا عبر تطبيق “تيليغرام”.
داخل أحد مراكز تحديد الهوية في كييف، يعمل فريق مكون من أربعة أفراد على مراقبة الصور القادمة من القنوات الروسية ومحاولة التعرف على أي مفقود، قبل إبلاغ العائلات بمكان أحبائهم.
عائلات تبحث عن العدالة
فالنتينا أوشيريتنا، والدة نازار، لم تتوقف عن البحث. حصلت على معلومات من شهود أكدوا رؤيته في ثلاثة أماكن داخل روسيا والأراضي الأوكرانية المحتلة، وتطابقت التفاصيل مع صورة ابنها، حتى أن أحد الشهود أخبرها أن نازار كان يعالج جرحاه بعدما أحرق الروس وشماً وطنياً كان على جسده.
رغم تقديمها عينات من حمضها النووي للسلطات، لم يظهر أي تطابق، مما يعزز أملها بأنه لا يزال على قيد الحياة في أحد السجون الروسية التي لم تُفرج بعد عن قوائم أسرى الحرب.
تقول فالنتينا: “أشاهد يومياً مقطع فيديو قديماً له وهو يضحك ويمزح مع زملائه. أحفظ كل تفاصيله، كل نظرة وكل حركة يد”.
الذكاء الاصطناعي والأمل المعلق
يُعوّل الأوكرانيون على تقنيات الذكاء الاصطناعي ليس فقط في توثيق المفقودين أو التعرف على هوياتهم، بل في تقديم بارقة أمل في أتون حرب مدمرة لا تزال مستعرة.
فكما تقول فالنتينا وهي تنظر إلى صور ابنها: “لا أريد شيئًا من الدنيا… فقط أن يعود لي ابني.”