ماذا حدث؟
مع دخول إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولايته الثانية قبل شهرين، تصاعدت أجواء من الفوضى والقلق على مستوى العالم، بفعل الخطوات المفاجئة التي اتخذتها واشنطن في إطار سياسة “أمريكا أولاً” التجارية، عبر فرض رسوم جمركية صارمة على واردات من كندا، والمكسيك، وأوروبا، والصين.
وزادت من هذا الارتباك القرارات الأمريكية المتقلبة حيال قضايا دولية ساخنة مثل أوكرانيا والشرق الأوسط.
في الداخل الأمريكي، تصاعدت المخاوف من ركود اقتصادي محتمل مع تزايد خسائر الوظائف الفيدرالية، وارتفاع التضخم الناتج عن الرسوم الجمركية الجديدة، مما أطلق مصطلح “ركود ترامب” في الأسواق العالمية، في وقت تتراجع فيه الثقة بالنظام التجاري العالمي وبالدولار كعملة رئيسية للتجارة الدولية.
في ظل هذه الأجواء، بدأت الأسواق المالية العالمية في التراجع الحاد، مع قلق متزايد حول كيفية تجنّب الاقتصاد العالمي آثار هذا التباطؤ المحتمل بقيادة الولايات المتحدة.
لماذا هذا مهم؟
رغم أن دول الخليج ليست هدفاً مباشراً للرسوم الجمركية الأمريكية، إلا أن تأثيرات هذه السياسات قد تطالها بشكل غير مباشر.
المنطقة، التي بدأت ولايتها الثانية مع ترامب بعلاقات سياسية وتجارية قوية، تجد نفسها الآن في مواجهة تحديات اقتصادية صعبة.
قطاع الألمنيوم الخليجي على سبيل المثال، قد يتضرر من رفع التعرفة الجمركية إلى 25% على واردات الألمنيوم، إذ تمثل دول الخليج حوالي 16% من واردات أمريكا من هذه المادة.
شركات مثل “الإمارات العالمية للألمنيوم” و”ألمنيوم البحرين” ستكون في قلب هذه العاصفة.
الأزمة أوسع من ذلك، فالحمائية المتزايدة قد تضرب حركة التجارة العالمية ككل، خاصة مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها التقليديين، مما قد يضع شركاء واشنطن غير التقليديين، مثل دول الخليج، أمام خيارات صعبة في ملفات التعاون المالي والدفاعي والاقتصادي.
ماذا بعد؟
حتى الأول من أبريل المقبل، ينتظر العالم نتائج التقرير المرتقب من البيت الأبيض، والذي سيعيد رسم خريطة العلاقات التجارية الأمريكية، مع توقع تنفيذ سريع للتوصيات، ما سيبقي الاقتصاد العالمي في حالة ترقب مشوبة بالحذر.
بالنسبة لدول الخليج، قد تكون المرحلة المقبلة مرحلة إعادة تموضع، من خلال تعزيز شراكاتها مع الصين وآسيا وأفريقيا، حيث سيزداد دور تكتلات مثل “بريكس” ومبادرات كـ “الحزام والطريق”.
لكن هذه البدائل تحتاج إلى وقت حتى تؤتي ثمارها، في ظل بيئة تتسم بتقلبات في معدلات التبادل التجاري وأسعار الفائدة وسعر الصرف.
وحتى مع اتجاه الإدارة الأمريكية لاعتماد سياسة “الدولار الضعيف” لدعم الصادرات، إلا أن تأثير ذلك على دول الخليج، المرتبطة عملاتها بالدولار، سيبقى محدوداً، خاصة مع ارتفاع كلفة الواردات واحتمال تراجع أسعار النفط، وهو ما قد يزيد الضغوط المالية على ميزانيات الدول الخليجية، التي تعاني أصلاً من هشاشة في ظل أسعار نفط تدور حول 70 دولاراً للبرميل.
على المدى الأبعد، يبدو أن دول الخليج، مثل غيرها، ستكون مضطرة للتكيف مع بيئة اقتصادية دولية أكثر ضبابية، خاصة مع استمرار التراجع في الثقة بالاقتصاد الأمريكي، وارتفاع مؤشرات البطالة، وتراجع الاستثمارات العالمية، مما ينذر بأربع سنوات صعبة قادمة.