ماذا حدث؟
في 12 مايو 2025، توصلت الولايات المتحدة والصين إلى اتفاق لخفض الرسوم الجمركية المتبادلة بنسبة 115% لمدة 90 يومًا، في خطوة مفاجئة هدأت من حدة الحرب التجارية التي هددت الاقتصاد العالمي.
بدأت الأزمة بإعلان ترامب في 2 أبريل عن “يوم التحرير”، حيث فرض رسومًا جمركية بقيمة 145% على الواردات الصينية، ردت عليها الصين برسوم 125%، مما أوقف التجارة بين أكبر اقتصادين في العالم تقريبًا، وقد أدى ذلك إلى اضطرابات في الأسواق، وتهديد بنقص السلع وتضخم متجدد.
في جنيف، قاد المفاوضون الأمريكيون، وهم وزير الخزانة سكوت بيسينت وممثل التجارة جيمسون غرير، محادثات مع نائب رئيس الوزراء الصيني هي ليفينغ، أسفرت عن خفض الرسوم الأمريكية إلى 30% والصينية إلى 10%، مع الإبقاء على رسوم أخرى مثل رسوم الفنتانيل، وقد أدى الاتفاق إلى ارتفاع الأسواق العالمية، وأُنشئ آلية لمواصلة الحوار التجاري.
كيف تحقق ذلك؟
تمكن ترامب من دفع الصين لهذا الاتفاق عبر استراتيجية متكاملة تضمنت ما يلي:
1- استراتيجية الصدمة والترهيب: فرض ترامب رسومًا جمركية مرتفعة بشكل غير مسبوق لدفع الصين إلى طاولة المفاوضات، فعلى الرغم من المخاطر الاقتصادية، أوجدت هذه السياسة “غموضًا استراتيجيًا”، حسب وصف بيسينت، مما زاد الضغط على بكين وسط مخاوف من نقص السلع واضطراب سلاسل التوريد.
2- إيفاد مفاوضين محترفين: اختار ترامب بيسينت وغرير، وهما شخصيتان يُنظر إليهما على أنهما رزينتان ومخولتان، لقيادة المحادثات في جنيف، قكان نهجهما المهني حاسمًا في بناء الثقة مع الجانب الصيني، على عكس الخطاب العدائي الأولي.
3- المرونة التكتيكية: أوقف ترامب الرسوم “المتبادلة” على حوالي 100 دولة، وأشار علنًا إلى إمكانية التهدئة مع الصين بعد مناقشات داخلية، مما سمح له بالتراجع تكتيكيًا، فقد ساعدت هذه المرونة في تجنب كارثة اقتصادية.
4- الضغوط الاقتصادية: أدت تحذيرات الشركات من نفاد المخزونات وتوقف السفن عن الإبحار من الصين إلى الولايات المتحدة لمدة 12 ساعة إلى تسريع قرار ترامب بالتفاوض، كما أثرت اضطرابات سوق السندات وتباطؤ التجارة على كلا الاقتصادين، مما دفع بكين للتساهل.
5- نموذج المملكة المتحدة: قدم اتفاق تجاري صغير النطاق مع المملكة المتحدة نموذجًا لما يريده ترامب: صفقات ثنائية مخصصة تقلل العجز التجاري، مما عزز هذا النجاح زخم المفاوضات مع الصين ودول أخرى.
6- استغلال الدروس السابقة: استفاد ترامب من تجارب ولايته الأولى، مدركًا أن المفاوضات مع الصين تحتاج إلى وقت وجهد، فاستخدم الضغط الاقتصادي لتحقيق تنازلات، مع الإبقاء على رسوم أساسية بنسبة 10% كحد أدنى لدعم الصناعة الأمريكية.
لماذا هذا مهم؟
الاتفاق، رغم كونه مؤقتًا، أنهى حالة الإغلاق التجاري بين الاقتصادين الأكبر عالميًا، وخفف من مخاطر الركود الاقتصادي العالمي.
قلص الاتفاق تأثير الرسوم الجمركية بنسبة 40%، لكنه أبقى على معدل رسوم فعال بنسبة 17.8%، وهو الأعلى منذ 1934.
يعكس ذلك نجاح ترامب في فرض واقع جديد يقبل فيه الشركاء التجاريون رسومًا أعلى كأمر مفروغ منه.
ومع ذلك، يرى البعض، مثل “ذا غارديان”، أن الاتفاق يمثل تنازلًا من ترامب تحت ضغط تحذيرات تجار التجزئة من نقص السلع.
بالنسبة للصين، يُعد الاتفاق انتصارًا لأنها حافظت على موقفها القوي مع تنازلات محدودة.
كما يُظهر الاتفاق قدرة ترامب على استخدام التجارة كأداة سياسية، كما فعل في وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان، لكنه يكشف أيضًا عن تحديات الحفاظ على استقرار اقتصادي طويل الأمد.
ماذا بعد؟
سيستمر الحوار عبر آلية تشاور اقتصادي بين بيسينت، غرير، وهي ليفينغ، مع احتمال عقد لقاء بين ترامب وشي جين بينغ.
إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق دائم خلال 90 يومًا، قد ترتفع الرسوم مجددًا، رغم تأكيد ترامب أنها لن تعود إلى 145%.
قد يعزز الاتفاق مفاوضات مع دول أخرى، لكن الرسوم المرتفعة المتبقية ستستمر في التأثير على الأسعار، حيث تشير تقديرات “ذا بدجت لاب” إلى تكلفة إضافية بقيمة 2237 دولارًا سنويًا للأسرة الأمريكية المتوسطة.
على المدى الطويل، قد يعيد الاتفاق تشكيل سلاسل التوريد العالمية، لكنه يترك عدم يقين حول قدرة ترامب على تحقيق توازن تجاري دون إلحاق ضرر بالمستهلكين الأمريكيين.