كيف تخطط الصين للرد على رسوم ترامب الجمركية؟

رؤساء الصين وأمريكا

ماذا حدث؟

في مواجهة تصاعد سياسة رفع الرسوم الجمركية للولايات المتحدة بقيادة دونالد ترامب، عقد الرئيس الصيني شي جين بينغ اجتماعًا حاسمًا يوم 28 مارس مع 40 من قادة الشركات متعددة الجنسيات، من بينهم ممثلون عن BMW وAstraZeneca.

في هذا اللقاء، أرسل شي رسالة واضحة ومباشرة مفادها أن “العولمة لن تختفي”، مؤكدًا التزام بلاده بتعزيز الانفتاح الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار.

الرئيس الصيني تعهد بتوسيع فرص الوصول إلى السوق وفتح قنوات التواصل الدائم مع الشركات الأجنبية، في محاولة واضحة لتعويض الانخفاض الحاد في تدفق الاستثمارات الأجنبية الذي شهدته البلاد خلال الأعوام الأخيرة.

ويأتي هذا التحرك في وقت بدأت فيه بعض مؤشرات الاقتصاد الصيني بالتحسن، مثل ارتفاع الإنتاج الصناعي بنسبة 5.9% وزيادة المبيعات الاستهلاكية بنسبة 4% خلال شهري يناير وفبراير 2025.

في ظل هذا التفاؤل النسبي، وعد رئيس الوزراء لي تشيانغ بتنفيذ خطة “عمل خاصة” تهدف إلى تحفيز الاستهلاك المحلي، مع التأكيد على جاهزية بكين لإطلاق المزيد من حزم التحفيز الاقتصادي عند الضرورة، كما تم تحديد هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي عند مستوى طموح يبلغ حوالي 5% لهذا العام، في إشارة واضحة إلى ثقة القيادة الصينية في قدرتها على الصمود والتقدم.

لماذا هذا مهم؟

تأتي هذه التحركات الصينية في لحظة فارقة من المشهد الاقتصادي العالمي، حيث عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مستأنفًا سياسة الرسوم الجمركية التي استهدفت الصين بشكل مباشر، إلى جانب حلفاء تقليديين للولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي.

في المقابل، تسعى بكين لتقديم نفسها كبديل مستقر ومنفتح، ما يفتح الباب أمام إعادة تشكيل خريطة التحالفات الاقتصادية العالمية.

التحدي الأكبر الذي تواجهه الصين داخليًا يتمثل في أزمة العقارات التي بدأت منذ عام 2021، وتفاقمت بسبب الديون الحكومية المحلية المرتفعة والبطالة المرتفعة بين الشباب منذ 2023.

كما أن الاقتصاد الصيني يعاني من فائض في الإنتاج مقابل طلب استهلاكي ضعيف، حيث لا تزال نسبة الاستهلاك المحلي منخفضة عند 40% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يقل بـ20% عن المتوسط العالمي.

غير أن الصين بدأت بتعزيز أوراقها الاستراتيجية عبر ثورتها في الذكاء الاصطناعي، إذ كشفت مطلع عام 2025 عن نموذجها المتقدم “ديب سيك” (DeepSeek)، الذي صُمم بكفاءة عالية وتكلفة منخفضة مقارنة بنماذج مثل ChatGPT.

هذا التطور التكنولوجي فاجأ العالم ودفع ترامب نفسه لوصفه بأنه “جرس إنذار” لصناعة التقنية الأمريكية، مما عزز صورة الصين كقوة ابتكار حقيقية وليست مجرد دولة مقلدة كما كان يُنظر إليها سابقًا.

ماذا بعد؟

في ظل توجه ترامب نحو تصعيد الحرب التجارية، تتخذ الصين موقفًا مضادًا يقوم على الانفتاح والتحفيز الداخلي.

نجاح هذا المسار سيعتمد على قدرة بكين في تعزيز ثقة المستهلك المحلي، وتحويل نموذجها الاقتصادي من الاعتماد على التصدير إلى اقتصاد استهلاكي قوي ومستدام.

كذلك، فإن استمرار الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي يمكن أن يمنح الصين ميزة تنافسية جديدة، خصوصًا إذا تم دمج هذه التكنولوجيا في القطاعات المالية والصناعية بشكل فعال.

وإذا استمر ترامب في إضعاف علاقات بلاده مع حلفائها التقليديين، فإن الصين قد تجد نفسها في موقع جذاب كبديل اقتصادي موثوق للأسواق العالمية.

باختصار، بينما يتبنى ترامب خطابًا انعزاليًا، تسعى بكين إلى صياغة رؤية جديدة لاقتصاد عالمي متكامل تقوده الابتكارات المحلية والشراكات الدولية.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *