ما الذي حدث؟
مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، لا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، ولا سيما قطاع الطاقة.
تسببت الحرب في تراجع كبير لهيمنة روسيا على سوق الغاز الأوروبي، مما أدى إلى خسائر فادحة لشركات عملاقة مثل “غازبروم”.
وفي ظل هذه التغيرات، وجدت الولايات المتحدة فرصة لتعزيز صادراتها من الغاز الطبيعي المسال (LNG)، مستغلة حاجة أوروبا الماسة لمورد بديل يُقلص اعتمادها على الطاقة الروسية.
وفي عام 2024 وحده، بلغت عائدات روسيا من تصدير الغاز المسال إلى أوروبا نحو 7 مليارات يورو، ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى اتخاذ خطوات أكثر جدية للحد من اعتمادها على الإمدادات الروسية واستبدالها بمصادر أخرى، وعلى رأسها الغاز الأمريكي.
لماذا هذا مهم؟
استطاعت الولايات المتحدة استثمار هذه الأزمة لتعزيز نفوذها في سوق الطاقة العالمي، ليس فقط عبر تعويض النقص في الإمدادات الأوروبية، ولكن أيضًا من خلال توسيع قدراتها التصديرية.
جاء هذا التطور مدعومًا بقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإلغاء تعليق منح تصاريح مشاريع الغاز المسال الجديدة، وهو القرار الذي كان قد فرضه سلفه جو بايدن.
هذه الخطوة فتحت الباب أمام طفرة في إنتاج الغاز الأمريكي، مما منح الشركات الأمريكية فرصة ذهبية للاستفادة من اضطرابات السوق.
علاوة على ذلك، لم تقتصر المكاسب الأمريكية على الجانب الاقتصادي فحسب، بل امتدت إلى المجال الجيوسياسي، فمع تضييق الخناق على صادرات الغاز الروسية، تمكنت واشنطن من تقويض إحدى أبرز أدوات الضغط التي استخدمتها موسكو لعقود لابتزاز أوروبا، وهو ما عزز العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وخلق فرصًا اقتصادية جديدة على جانبي الأطلسي.
ماذا بعد؟
رغم المكاسب الأمريكية، لا تزال هناك تحديات أمام واشنطن لتحقيق سيطرة أكبر على سوق الغاز العالمي، إذ تواجه أوروبا معضلة إيجاد بدائل دائمة للإمدادات الروسية بأسعار تنافسية.
كما أن روسيا، ورغم خسائرها، لا تزال تسعى لاستعادة حصتها في السوق عبر توسيع صادراتها من الغاز المسال.
لذا، يدور الحديث حاليًا حول فرض عقوبات أكثر صرامة على مشاريع الغاز الروسية الكبرى مثل “يامال” و”ساخالين-2″، وهي منشآت لم تخضع للعقوبات حتى الآن.
وفي ظل استمرار الحرب، تزداد الضغوط على الولايات المتحدة لاتخاذ خطوات أكثر حسمًا، سواء عبر فرض عقوبات إضافية أو تعزيز إنتاجها المحلي لمواجهة أي تقلبات مستقبلية.
وبذلك، فإن الحرب الأوكرانية لم تخلق فقط أزمة إنسانية كبرى، بل أعادت رسم خارطة الطاقة العالمية، لتجعل من الولايات المتحدة الرابح الأكبر حتى الآن.