ماذا حدث؟
في مشهد يقترب من الخيال العلمي، تقود الصين ثورة صناعية جديدة مسلحة بجيوش من الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، تقلب موازين القوى في ساحة الحرب التجارية العالمية، وعلى رأسها المواجهة المحتدمة مع الولايات المتحدة.د
بحسب وول ستريت جورنال، ففي مصنع “زيكر” للسيارات الكهربائية بمدينة نينغبو، تتراقص أذرع روبوتية ضخمة بإيقاع دقيق، تلحم هياكل السيارات في مصانع معتمة لا تحتاج إلى إضاءة أو عمال، فيما تجوب عربات روبوتية محملة بقطع الغيار أرجاء المصنع محذّرة من اقترابها بنغمات موسيقى “كيني جي”.
هذا المشهد لم يعد نادرًا، فالصين تسير بسرعة مذهلة نحو أتمتة كاملة لقطاع التصنيع، مدعومة باستثمارات ضخمة وتوجيهات حكومية صارمة.
عدد الروبوتات الصناعية في الصين بات يفوق نظيره في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان، باستثناء كوريا الجنوبية وسنغافورة، بل أن الصين لا تكتفي بالتصنيع، بل باتت تملك وتنتج التكنولوجيا نفسها، بعدما استحوذت على شركات روبوتات عالمية مثل “كوكا” الألمانية.
لماذا هذا مهم؟
ترى صحيفة وول ستريت جورنال أن الرهان الصيني على الروبوتات ليس مجرد تطور تقني، بل هو استراتيجية سياسية واقتصادية شاملة.
بفضل هذا التوجه، تستطيع الصين تقليل تكلفة إنتاج صادراتها والحفاظ على جودتها، ما يمنحها تفوقًا في مواجهة الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وكذلك الحواجز التجارية التي فرضتها دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول النامية مثل البرازيل والهند وتركيا وتايلاند.
وتتجاوز الفكرة مجرد تعويض نقص اليد العاملة في ظل التراجع الديمغرافي، إذ تسعى بكين لتحويل الروبوتات إلى قطاع اقتصادي مستقل، تمامًا كما فعلت مع صناعة السيارات الكهربائية.
الحكومة الصينية أعلنت عن صندوق استثماري بقيمة 137 مليار دولار لتطوير الروبوتات والذكاء الاصطناعي، بينما قدمت المصارف المملوكة للدولة قروضًا صناعية بـ1.9 تريليون دولار لتمويل بناء وتجديد المصانع.
وترى الصحيفة إنه إذا كانت الولايات المتحدة تملك التقنيات، فإن الصين تملك العمالة الماهرة؛ إذ تخرّج جامعاتها نحو 350 ألف مهندس ميكانيكي سنويًا، مقابل 45 ألف فقط في أمريكا، وهذه القوة البشرية هي الوقود الحقيقي لجيش الروبوتات الصيني.
ماذا بعد؟
المستقبل يشي بتغيرات عميقة في بنية الاقتصاد العالمي، ففي حين تخشى الدول الصناعية من فقدان الوظائف بسبب الأتمتة، تتقدم الصين بخطى ثابتة نحو عالم تقوده الآلات.
ومع غياب النقابات المستقلة أو الاعتراضات السياسية، تمضي بكين في مشروعها بلا عوائق تُذكر، حتى في الورش الصغيرة كمعمل “إيلون لي” لصناعة المواقد، بدأت الروبوتات تحلّ مكان الحرفيين.
لكن هذا التقدم لا يخلو من تحديات، أبرزها القلق المتنامي بين العمال الصينيين أنفسهم، فأحد العاملين في مصنع “زيكر” أعرب لمراسل وول سترتيت جورنال عن خوفه من فقدان وظيفته في المستقبل، قائلًا: “الجميع يشعر بالقلق… حتى أنا.”
في النهاية، يبدو أن الصين تعيد رسم قواعد اللعبة الاقتصادية العالمية، مستخدمة الروبوتات لا فقط كأدوات إنتاج، بل كأسلحة استراتيجية في حرب لا تُخاض بالرصاص، بل بالمصانع والمعالجات والبيانات.