ماذا حدث؟
فاجأت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسواق بإطلاق مجموعة جديدة من الرسوم الجمركية، الأمر الذي أحدث صدمة واسعة في أسواق العملات العالمية، وأدى إلى تراجع حاد في مؤشر الدولار الأميركي (ICE U.S. Dollar Index) بنسبة 3% خلال 24 ساعة فقط.
المؤشر انخفض من 104.31 قبل إعلان الرسوم، إلى 101.27 بعد الإعلان مباشرة، وبالرغم من تعافٍ طفيف يوم الجمعة، أنهى الدولار الأسبوع على تراجع، ليصبح أضعف مما كان عليه حتى قبل انتخابات نوفمبر.
ورغم أن السوق كان يتوقع أن تؤدي الرسوم إلى تعزيز الدولار من خلال تحفيز الاقتصاد المحلي، إلا أن المخاوف من دخول الاقتصاد الأميركي في حالة ركود طغت على هذا التفاؤل.
بحسب كريس تيرنر، رئيس الأسواق العالمية في ING، فإن “رد الفعل العكسي للرسوم بدأ بالفعل في التأثير على الاقتصاد الأميركي، وهو ما لم يكن المستثمرون يتوقعونه”.
وأضاف تيرنر: “الاقتصاد الأميركي لم يكن في وضع يسمح بتحمل رسوم بهذا الحجم في هذا التوقيت”.
لماذا هذا مهم؟
تراجع الدولار لا يؤثر فقط على المستثمرين المحليين، بل على الاقتصاد العالمي بأكمله، فالعملة الأميركية تُعد حجر الزاوية في النظام المالي العالمي، وأي اهتزاز فيها ينعكس على السياسات النقدية والاستثمارية حول العالم.
في ظل التوترات التجارية، لجأ المستثمرون إلى ما يُعرف بـ”ملاذات آمنة” للتحوط، وعلى رأسها الين الياباني والفرنك السويسري، اللذان سجلا مكاسب تجاوزت 3% أمام الدولار.
كما شهد الذهب ارتفاعات قياسية بعد إعلان الرسوم، مدفوعًا بمزيج من المخاوف الجيوسياسية، وضعف الدولار، وتزايد التوقعات بركود عالمي، فيما يبدو أن المستثمرين يبحثون عن أي أصل يمكن أن يحافظ على قيمته في ظل ضبابية المشهد الاقتصادي الأميركي والعالمي.
الأمر اللافت أن اليورو، رغم كونه أقل ارتباطًا بمفهوم “الملاذ الآمن”، ارتفع أيضًا بدعم من تفاؤل بشأن احتمالية السلام في أوكرانيا، وزيادة الإنفاق الحكومي في أوروبا، وهو ما جعل بعض الصناديق الاستثمارية تراهن على صعوده مقابل الدولار، مثل صندوق Invesco DB US Dollar Index Bearish Fund.
ماذا بعد؟
المستثمرون الآن يواجهون سؤالاً جوهريًا: كيف يمكن التحوط في المرحلة المقبلة؟ الخبراء يشيرون إلى أن الين الياباني سيظل خيارًا مفضلًا، رغم تعرض اقتصاد اليابان هو الآخر لتأثيرات سلبية بسبب الرسوم، خصوصًا في قطاع السيارات.
في المقابل، يرى البعض أن الفرنك السويسري قد يوفر تحوطًا أكثر استقرارًا، في ظل الغموض حول سياسة أسعار الفائدة في اليابان.
ولمن يبحث عن خيارات بديلة، يقترح بعض المحللين النظر في “عملات غريبة” مثل الريال البرازيلي، الذي يُعتبر رخيصًا ويحظى بعوائد مرتفعة مقارنة بغيره، فضلًا عن كونه أقل انكشافًا على التجارة العالمية.
وعلى صعيد السندات، اتجه المستثمرون نحو أدوات الدخل الثابت مثل سندات الخزانة الأميركية، التي شهدت انخفاضًا في العائدات بنحو 6%، وسندات اليابان ذات العشر سنوات التي انخفضت عوائدها بنسبة 28%، مما يعكس زيادة في الطلب على هذه الأصول الآمنة.
أما الذهب، فقد أثبت مجددًا أنه “ملك الأمان”، مدعومًا بالطلب من الأفراد والبنوك المركزية، وسط تصاعد التوترات وضعف الدولار.
ورغم تحذيرات بعض المحللين من أن الأسعار الحالية للذهب “مبالغ فيها”، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى مزيد من الارتفاع في حال استمرار حالة الضبابية الاقتصادية والسياسية.