ماذا حدث؟
أشعلت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب موجة اضطراب اقتصادي عالمي حين أعلن فرض رسوم جمركية شاملة على الواردات القادمة من عشرات الدول، مما أشعل فتيل أزمة مالية متعددة الأوجه.
الرسوم الجديدة التي بلغت نسبها 10% على معظم السلع، وصعدت إلى 34% على الواردات الصينية و20% على المنتجات الأوروبية، كانت بمنزلة صدمة مزلزلة في الأسواق.
أسواق المال لم تتأخر في رد فعلها، فقد شهدت مؤشرات الأسهم في وول ستريت تراجعًا كبيرًا، بينما لم تسلم حتى العملات الرقمية من موجة الهبوط العنيفة، رغم صمودها المؤقت في بداية الأزمة.
على سبيل المثال، تهاوى سعر البيتكوين بأكثر من 7% ليهبط دون مستوى 77 ألف دولار، بينما فقدت عملة الإيثريوم 14% من قيمتها خلال ساعات، لتصل إلى 1,521 دولاراً فقط، وهو أدنى سعر لها منذ أكتوبر 2023، وانخفضت القيمة السوقية الإجمالية للعملات المشفرة بنسبة 10% تقريبًا لتبلغ 2.54 تريليون دولار.
حتى الذهب، الذي يُعد تقليديًا ملاذًا آمنًا في أوقات الأزمات، لم يسلم من العاصفة، فتراجعت أسعاره إلى أدنى مستوى في أكثر من ثلاثة أسابيع، مدفوعًا بعمليات بيع جماعية من المستثمرين الذين سعوا لتغطية خسائرهم في أسواق أخرى.
ولم تكن سوق النفط في منأى عن هذه التوترات، إذ هوى سعر خام برنت بأكثر من 7% وسط مخاوف من انكماش اقتصادي عالمي، وزيادة غير متوقعة في إنتاج أوبك.
وخفّض بنك “غولدمان ساكس” توقعاته للأسعار إلى 66 دولاراً لبرنت و62 دولاراً لخام غرب تكساس، محذرًا من تقلبات ممتدة حتى 2026.
لماذا هذا مهم؟
تُمثل هذه التحولات العنيفة في الأسواق مؤشراً خطيراً على هشاشة النظام الاقتصادي العالمي في مواجهة السياسات المفاجئة، فالقرارات الجمركية التي أعلنها ترامب لم تُثر فقط ردود فعل سياسية، بل أحدثت صدمة نفسية حادة بين المستثمرين، وخلقت بيئة من انعدام الثقة، انعكست بوضوح على كل فئات الأصول، من الأسهم والعملات، إلى الذهب والنفط وحتى العملات الرقمية.
ما يثير الانتباه أكثر هو سقوط البيتكوين – الذي طالما وُصف بكونه “ذهب المستقبل” – في دوامة الخسائر، ما يعكس ترابطاً متزايداً بين الأصول المالية التي كان يُفترض أن تسير في اتجاهات مختلفة.
كذلك، فإن إنشاء احتياطي استراتيجي أميركي من البيتكوين، بتوجيه من ترامب، يكشف عن ازدواجية سياسية واضحة: دعم رسمي للعملات المشفرة من جهة، وسياسات تجارية تصيب الأسواق نفسها بالشلل من جهة أخرى، وهذا التناقض خلق بيئة رمادية يصعب فيها التنبؤ بمسار الأصول الرقمية، التي ظنّ البعض أنها ستُحلّق في أوقات الأزمات.
أما سوق النفط، فقد عادت لتُظهر حساسيتها التقليدية أمام أي تصعيد سياسي أو تجاري، فارتفاع الرسوم، بالتوازي مع ارتفاع طفيف في إنتاج “أوبك+”، وتباطؤ متوقع في الطلب العالمي، كل ذلك يشير إلى احتمال دخول قطاع الطاقة مرحلة كساد متوسطة الأجل.
ماذا بعد؟
مع تصاعد الحروب التجارية وتزايد انكشاف الأسواق المالية أمام قرارات سياسية طارئة، من المتوقع أن تستمر حالة التذبذب الشديد في الأسواق خلال العامين القادمين، ويتوقع محللو “ستاندرد آند بورز” أن ينخفض الطلب على النفط عالميًا بنصف مليون برميل يوميًا في أسوأ السيناريوهات، مما يعزز من فرضية تباطؤ اقتصادي عالمي شامل.
في المقابل، يرى مراقبون أن العملات الرقمية، رغم تراجعها الأخير، قد تعود لتلعب دوراً أقوى على المدى الطويل، خاصة في حال استقرت الأنظمة التنظيمية وهدأت التوترات الجيوسياسية.