ماذا حدث؟
رغم أن الحرب الروسية الأوكرانية تدور رحاها على بعد آلاف الكيلومترات من منطقة الخليج العربي، إلا أن تأثيرها على قطاع الطاقة في المنطقة كان عميقًا.
منذ اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، أعادت الحرب تشكيل خريطة تجارة الطاقة العالمية، ما أدى إلى زيادة استيراد دول الخليج للنفط الروسي، وارتفاع حاد في صادرات الهيدروكربونات الخليجية إلى أوروبا.
كما عززت هذه التطورات استثمارات الخليج في مشاريع الطاقة المتجددة داخل القارة الأوروبية.
في ظل العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بات النفط الروسي رخيص الثمن يتدفق إلى الخليج، لا سيما إلى الإمارات والسعودية، حيث لم تفرض هذه الدول عقوبات على موسكو، حيث شهدت الواردات الخليجية من النفط الروسي ارتفاعًا كبيرًا، ما جعل السعودية والإمارات من بين أكبر عشر دول مستوردة للنفط الروسي.
ورغم تراجع هذه الواردات في 2024 مقارنة بالسنوات السابقة، إلا أنها لا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه في 2019.
من ناحية أخرى، استفادت دول الخليج من تحول أوروبا نحو النفط والغاز الخليجيين كبديل للطاقة الروسية، فقد ساهم تشابه النفط الخليجي مع الخام الروسي في جعله خيارًا مناسبًا للأسواق الأوروبية، إلى جانب استغلال ثغرات تشريعية في العقوبات الأوروبية سمحت بإعادة تصدير النفط الروسي بعد تكريره.
كما أدى تقليل اعتماد أوروبا على الغاز الروسي إلى فتح الباب أمام زيادة عقود الغاز المسال مع دول الخليج، مثل قطر والإمارات وعمان، ما ساهم في توسيع قاعدة العملاء الأوروبيين.
لماذا هذا مهم؟
يمثل هذا التحول في تجارة الطاقة فرصة استراتيجية لدول الخليج لتعزيز دورها كمركز رئيسي لتوريد الطاقة العالمية، وتحقيق مكاسب اقتصادية ضخمة، فاستيراد النفط الروسي بأسعار منخفضة مكّن الدول الخليجية من استخدامه في تشغيل محطات الكهرباء وشحن السفن، مما حرر كميات أكبر من إنتاجها المحلي للتصدير بأسعار أعلى، وبالتالي زادت العوائد النفطية بشكل ملحوظ.
كما أن هذه المكاسب لم تقتصر على الوقود الأحفوري، إذ شهدت استثمارات دول الخليج في الطاقة المتجددة بأوروبا نموًا ملحوظًا، متماشية مع خطط التنويع الاقتصادي لهذه الدول، فقد توسعت مشاريع الطاقة الشمسية والرياح الخليجية في دول مثل إسبانيا، البرتغال، وصربيا، لتساهم في تحقيق أهداف الاتحاد الأوروبي المتعلقة بزيادة نسبة الطاقة المتجددة إلى 42.5% بحلول 2030.
الأهمية الاستراتيجية لهذا التحول تتجلى أيضًا في البعد السياسي، حيث عزز التعاون الخليجي-الروسي داخل منظمة “أوبك+” من استقرار أسعار النفط في الأسواق العالمية. كما أن دول الخليج، رغم استفادتها من صادرات النفط والغاز إلى أوروبا، لم تهمش علاقتها التقليدية مع آسيا، التي تظل الوجهة الرئيسية لصادراتها النفطية.
ماذا بعد؟
على المدى المتوسط، قد تواجه واردات النفط الروسي إلى الخليج تحديات بسبب العقوبات الأمريكية المحتملة، خاصة مع التغيرات السياسية في واشنطن التي قد تستهدف المشترين بعقوبات ثانوية، كما أن زيادة اعتماد السعودية على مصادر الطاقة المتجددة قد يقلل الحاجة إلى الوقود الروسي مستقبلاً.
أما فيما يخص صادرات الطاقة الخليجية إلى أوروبا، فمن المتوقع أن تستمر لكنها لن تتفوق على الأسواق الآسيوية، فقد يعود جزء من الغاز الروسي إلى أوروبا في حال التوصل إلى تسوية سياسية، لكن من غير المرجح أن تستعيد موسكو هيمنتها السابقة على السوق الأوروبية، وفي المقابل، ستظل دول الخليج تراهن على نمو الطلب الآسيوي لضمان استدامة صناعتها النفطية.
في قطاع الطاقة المتجددة، يبدو أن دول الخليج ستواصل توسيع استثماراتها في أوروبا، مع التركيز على مشاريع البنية التحتية للطاقة النظيفة، وكذلك تعزيز صادرات المنتجات منخفضة الكربون مثل الألمنيوم والفولاذ والأسمدة، والتي باتت تحظى بإقبال أوروبي متزايد.