ماذا حدث؟
في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إعفاء الهواتف الذكية، وأجهزة الكمبيوتر، والمكونات الإلكترونية الدقيقة مثل الرقائق وأنظمة التخزين، من الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضها مؤخرًا على المنتجات الصينية.
هذا القرار، الصادر في توجيه من الجمارك الأمريكية، جاء بعد أسبوعين فقط من إعلان إدارة ترامب فرض رسوم جمركية تصل إلى 145% على واردات من الصين، وهو ما كان من المتوقع أن يوجه ضربة موجعة لشركات التكنولوجيا العملاقة، وعلى رأسها “آبل”، التي تعتمد على الصين لتصنيع الغالبية العظمى من منتجاتها.
شمل الإعفاء 20 فئة من المنتجات التكنولوجية الحيوية، وتم تطبيقه بأثر رجعي على البضائع التي غادرت المستودعات منذ 5 أبريل 2025.
جاء ذلك تزامنًا مع خسائر فادحة تكبدتها شركة آبل، بلغت أكثر من 640 مليار دولار من قيمتها السوقية، خلال أيام من إعلان الرسوم، كما ارتفع العائد على السندات الأمريكية لأجل عشر سنوات بأكثر من 50 نقطة أساس، ما زاد من تقلبات السوق وأثار ذعر المستثمرين.
لماذا هذا مهم؟
أهمية هذا القرار لا تقتصر على تخفيف الضغط عن شركات التكنولوجيا، بل تتعداه لتكشف عن صراع استراتيجي بين الطموح الأمريكي للحد من الاعتماد على الصين من جهة، والواقع الصناعي والتجاري من جهة أخرى.
فترامب، وفقًا لتصريحات نائبه للسكرتير الصحفي في البيت الأبيض، كوش ديساي، يرى أن الولايات المتحدة لا يمكنها مواصلة الاعتماد على الصين في تصنيع تقنيات حيوية مثل الرقائق والهواتف الذكية.
لكن التحديات التي تعيق تنفيذ رؤية “صُنع في أمريكا” أكبر مما تبدو عليه، فمحاولات تصنيع آيفون أمريكي بالكامل تصطدم بعقبات ضخمة، بدءًا من ارتفاع أجور العمال الأمريكيين – حيث تبلغ تكلفة تجميع هاتف في الولايات المتحدة حوالي 200 دولار مقارنة بـ 40 فقط في الصين – مرورًا بنقص في مهندسي الأدوات الدقيقة، ووصولًا إلى تعقيد سلاسل التوريد العالمية.
بل إن بعض التقديرات تشير إلى أن سعر آيفون “أمريكي” قد يصل إلى 3500 دولار، وهو ما يهدد بتقويض قدرة آبل التنافسية عالميًا.
ماذا بعد؟
رغم الإعفاء المؤقت، تبقى التساؤلات قائمة حول مدى واقعية التوجه نحو نقل التصنيع إلى أمريكا، فالمصانع الصينية العملاقة مثل “فوكسكون” تمتلك منظومات متكاملة تشمل مساكن ونقل موسمي للعمالة، وهي بنية يصعب تكرارها في الغرب خلال سنوات قليلة.
وبحسب المحللين، فإن نقل حتى 10% من سلسلة إمدادات آبل إلى أمريكا قد يكلف الشركة نحو 30 مليار دولار خلال ثلاث سنوات.
لذا، يبدو أن الإعفاء الحالي هو بمثابة “استراحة محارب” لشركات التكنولوجيا، في انتظار اتضاح ملامح السياسة التجارية الأمريكية في الأشهر القادمة.. فهل ستكون هذه الاستراتيجية بدايةً لثورة صناعية أمريكية جديدة؟ أم أنها مجرد ورقة ضغط في معركة جيوسياسية طويلة بين واشنطن وبكين؟
الأكيد أن هاتفك المقبل، سواء كان مصنوعًا في الصين أو أمريكا، لن يكون بمنأى عن السياسة.