ماذا حدث؟
بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، أدخل التحول السوري علاقات لبنان ودمشق في مرحلة انتقالية حاسمة، حيث سعى الرئيس أحمد الشرع إلى إعادة صياغتها على أسس جديدة بعيدة عن “الوصاية” السورية التاريخية.
في 11 أكتوبر 2025، زار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بيروت لأول مرة رسمياً، معلناً “فتح صفحة جديدة ومشرقة” مبنية على “الاحترام بين الأشقاء”، وعقد اجتماعات مع رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف، متجاهلاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف حزب الله.
ناقشت الاجتماعات تشكيل لجان مشتركة لترسيم الحدود البرية، وضبط المعابر، ومنع التهريب، تسهيل عودة اللاجئين السوريين (1.5 مليون في لبنان)، وتبادل معلومات عن المعتقلين (أكثر من 2000 لبناني مختفٍ في سوريا) والمخطوفين.
سبقت الزيارة لقاءات مثل تلك بين الشرع وعون في قمم عربية في القاهرة (مارس 2025) والدوحة (سبتمبر 2025)، وإعلان سوريا تعليق عمل المجلس الأعلى اللبناني-سوري (تأسيس 1991) لصالح قنوات دبلوماسية رسمية، مما أنهى إرث “معاهدة الأخوة” التي شرّعت النفوذ السوري منذ 1976.
لماذا هذا مهم؟
تُعد الزيارة تحولاً جذرياً في علاقات دامت عقوداً تتأرجح بين الوصاية السورية (دخول الجيش 1976 كـ”قوات ردع عربية”، وانسحاب 2005 بعد اغتيال الحريري) والتداخل السياسي، خاصة عبر حزب الله الذي اعتمد سوريا كجسر للإمدادات الإيرانية.
أهميتها تكمن في أنها تُعزز استقلالية لبنان، كما أكد وزير الخارجية يوسف رجي، الذي رحب بـ”احترام السيادة اللبنانية”، وسط تراجع نفوذ الحزب بعد خسائره أمام إسرائيل وفقدان “عمقه السوري”.
اقتصادياً، تفتح أبواب تعاون في الطاقة والزراعة، حيث يعاني لبنان من أزمة (دين عام 150% من الناتج المحلي) وسوريا من دمار (تكلفة إعادة إعمار 400 مليار دولار).
إقليمياً، تُساهم في استقرار الشرق الأوسط بعد اتفاق غزة، مع تركيز على ملف اللاجئين (عودة تدريجية لتخفيف عبء لبنان) والمعتقلين، مما يُعالج إرث الحرب السورية (500 ألف قتيل، 6 ملايين لاجئ).
سياسياً، تُضعف “محور المقاومة”، حيث يخشى حزب الله من تطبيع سوري مع إسرائيل، كما أعربت إيران عن غضبها، مما يُعيد رسم معادلة السلطة في بيروت.
ماذا بعد؟
مع تشكيل اللجان المشتركة، من المتوقع تقدماً في ترسيم الحدود (غير محددة منذ 1923، تشمل الشياح والجبل) وإغلاق المعابر غير الرسمية لمنع التهريب، مع خطط لعودة 100 ألف لاجئ سوري في 2026 بدعم أممي.
داخلياً، قد تُعزز الدولة اللبنانية استقلاليتها عن حزب الله، الذي يسعى للحفاظ على نفوذه عبر “التعاون مع دمشق” كما قال نعيم قاسم، لكن تراجعه (خسائر 2024) يُقلل قدرته على العرقلة. إقليمياً، قد تُوسع الشراكة إلى تجارة (تصدير لبناني للخدمات مقابل سوري للزراعة)، مع دعم أمريكي-أوروبي للاستقرار بعد غزة، لكن عقبات مثل محاكمة مجرمي الحرب (مثل دور الحزب في سوريا 2013) قد تُعيق التقارب.
في النهاية، تعتمد النتائج على تنفيذ اللجان، مما قد يحول العلاقة إلى “صداقة استراتيجية” تخدم الشعبين، أو يُبقيها عرضة للتوترات إذا سيطر الحزب أو عادت الوصاية غير الرسمية.