ماذا حدث؟
سياسات إدارة الرئيس دونالد ترامب في ولايته الثانية، التي تشمل خفض تمويل الأبحاث بمليارات الدولارات، التدخل في المناهج الدراسية، وتقييد تأشيرات الطلاب الدوليين، تُسبب هجرة جماعية للعلماء والباحثين من الولايات المتحدة، فيما يُعد أكبر “هجرة عقول” منذ عقود.
على سبيل المثال، عالمة الأعصاب البرازيلية دانييل بيكمان، التي انتقلت إلى الولايات المتحدة عام 2017 للعمل في جامعة كاليفورنيا، تخطط الآن للانتقال إلى ألمانيا أو فرنسا بعد إلغاء تمويل بقيمة 2.5 مليون دولار لمختبرها.
استطلاع أجرته مجلة “Nature” في مارس 2025 أظهر أن 75% من العلماء الأمريكيين يفكرون في المغادرة بسبب هذه السياسات.
في المقابل، تستغل دول مثل كندا، أوروبا، وآسيا هذا الوضع، مقدمةً حوافز مالية ضخمة لجذب هؤلاء الموهوبين.
لماذا هذا مهم؟
لطالما كانت الولايات المتحدة مركزًا عالميًا للابتكار بفضل استثماراتها الضخمة في البحث والتطوير (900 مليار دولار في 2023)، وجذبها للمواهب العالمية، حيث فازت بأكثر من 400 جائزة نوبل، ثلثها لمهاجرين.
لكن إلغاء 700 منحة من المعاهد الوطنية للصحة (1.8 مليار دولار) وتخفيض ميزانيتها المقترح بنسبة 40% في 2026، إلى جانب قطع 1.4 مليار دولار من مؤسسة العلوم الوطنية، يهدد هذا الريادة.
هذه السياسات تُحد من توظيف الطلاب الخريجين والباحثين، وتدفع العلماء الشباب للخروج من المجال أو المغادرة، مما يُضعف الابتكار طويل الأمد في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية.
اقتصاديًا، قد تفقد الجامعات إيرادات بمليارات الدولارات من الطلاب الدوليين (40.1 مليار دولار في 2023)، مما يؤثر على الوظائف والنمو.
سياسيًا، نزاع ترامب مع جامعات مثل هارفارد، بما في ذلك حظر تسجيل الطلاب الدوليين (أُوقف مؤقتًا بحكم قضائي)، يُعزز صورة أمريكا كبيئة معادية للعلم.
دول مثل الاتحاد الأوروبي، الذي خصص 500 مليون يورو (562 مليون دولار) لجذب الباحثين، وفرنسا، التي أطلقت برنامج “مكان آمن للعلم” بـ15 مليون يورو، تستفيد من هذه الهجرة.
كندا تخصص 21.8 مليون دولار لجذب 100 عالم شاب، بينما تقدم سنغافورة عروضًا فورية لـ”النجوم” الأمريكيين. أستراليا تُطلق برنامجًا لاستقطاب العلماء المحبطين، وهونغ كونغ تفتح أبوابها لطلاب هارفارد.
الصين، التي أنفقت 780 مليار دولار على البحث في 2023، تجذب العلماء الصينيين الأمريكيين ببيئة “منفتحة”.
هذه الدول لا تعزز ابتكارها فحسب، بل تقوي اقتصاداتها ونفوذها العالمي.
ماذا بعد؟
إذا استمرت السياسات الحالية، قد تفقد الولايات المتحدة مكانتها كمركز عالمي للابتكار.
الدعوى القضائية التي رفعتها 16 ولاية ضد تخفيضات مؤسسة العلوم الوطنية قد تبطئ الضرر، لكن بدون تغيير في السياسة، ستستمر هجرة العلماء، خاصة الشباب الأكثر قدرة على الحركة.
الجامعات قد تلجأ إلى تمويل خاص، لكنه لن يعوض الخسائر الفيدرالية.
على المدى الطويل، قد يؤدي ذلك إلى تراجع القدرة التنافسية أمام الصين، التي تفوقت على أمريكا في إنتاج الأبحاث عالية الجودة بحلول 2024.
الدول المستفيدة ستعزز قدراتها البحثية، لكن التحدي يكمن في استيعاب هذا التدفق، فأوروبا، رغم استثماراتها (504 مليارات دولار في 2023)، لا تزال تتخلف عن أمريكا في التمويل، فكندا وأستراليا قد تواجهان قيودًا ميزانية، بينما الصين قد تستفيد أكثر بفضل مواردها الضخمة.
على المدى القصير، قد تحقق هذه الدول تقدمًا في مجالات مثل فيروسولوجيا والذكاء الاصطناعي، وقد يعيد توزيع المواهب تشكيل التوازن العالمي للابتكار، مع احتمال إضعاف التعاون العلمي العالمي إذا أصبحت أمريكا معزولة.