لماذا تفشل انتفاضات العراقيين ضد النفوذ الإيراني؟

لماذا تفشل انتفاضات العراقيين ضد النفوذ الإيراني؟

ماذا حدث؟

على مدى أكثر من خمسة عشر عاماً، شهد العراق تظاهرات شعبية متكررة، بدأت منذ عام 2010، تطالب بتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه، وتوفير فرص العمل، وإصلاح النظام السياسي، وإنهاء النفوذ الإيراني.

كانت احتجاجات تشرين 2019 الأبرز، حيث طالبت بتغيير النظام السياسي وإنهاء الهيمنة الإيرانية، لكنها قوبلت بقمع عنيف أسفر عن مقتل أكثر من ألف متظاهر وإصابة 25 ألفاً.

في يوليو 2025، عادت التظاهرات إلى بغداد، والبصرة، والناصرية، وديالى، مدفوعة بأزمات الكهرباء والمياه وسط درجات حرارة تجاوزت 50 مئوية.

قطع المتظاهرون الطرق، وأدت محاولات قوات الأمن فض الاحتجاجات إلى اشتباكات.

حذر رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، في 13 يوليو 2025، من احتمال تصاعد الاحتجاجات إلى اضطرابات أمنية قد تستدعي تشكيل حكومة طوارئ.

رغم نجاح تشرين في إجبار رئيس الوزراء عادل عبد المهدي على الاستقالة وتغيير قانون الانتخابات، فشلت التظاهرات في تحقيق أهدافها السياسية الكبرى، خاصة إنهاء النفوذ الإيراني، وسط اتهامات باختراق الحراك من قبل ميليشيات موالية لإيران.

لماذا هذا مهم؟

تفشل الانتفاضات العراقية في تحقيق أهدافها ضد النفوذ الإيراني بسبب عدة عوامل مترابطة:

أولاً، النظام السياسي الهجين في العراق، الذي يجمع بين مظاهر الديمقراطية والممارسات الاستبدادية، يتيح للقوى الحاكمة الالتفاف على الضغوط الشعبية عبر انتخابات شكلية أو استمالة قادة الاحتجاج، ويعتمد هذا النظام على اقتصاد ريعي نفطي، يمكّن الأحزاب من شراء الولاءات وإسكات المعارضين.

ثانياً، القمع الممنهج من قبل قوات الأمن والميليشيات الموالية لإيران، بما في ذلك القتل والاغتيالات وتفجير المنازل، أضعف زخم الاحتجاجات.

ثالثاً، غياب قيادة موحدة للحراك، حيث أدت “النرجسية” بين الناشطين وتعدد القيادات إلى تشتت الجهود، كما ساهم اختراق ساحات التظاهر بعناصر موالية لإيران في تشويه المطالب وسلمية الحراك.

رابعاً، الانقسام داخل المكون الشيعي بين قوى وطنية مثل التيار الصدري وقوى موالية لإيران، مثل الإطار التنسيقي، يعيق تشكيل جبهة موحدة ضد النفوذ الإيراني.

أخيراً، تراجع الدعم الشعبي بعد تشرين بسبب خيبة الأمل من ضعف النواب المنبثقين عن الحراك وافتقارهم للقيادة.

هذه العوامل جعلت النفوذ الإيراني، المدعوم بشبكة فصائل مسلحة وكتل سياسية، يصمد أمام الاحتجاجات.

ماذا بعد؟

مع اقتراب الانتخابات التشريعية في نوفمبر 2025، قد تشهد الساحة العراقية نقطة تحول، فإذا نجحت القوى الوطنية، خاصة التيار الصدري، في توحيد صفوفها، فقد تكرر فوزها في انتخابات 2021، مما يقلص تمثيل الفصائل الموالية لإيران ويعزز دعوات حصر السلاح بيد الدولة.

التيار الصدري، رغم مقاطعته الرسمية، قد يشارك غير مباشرة عبر دعم قوائم وطنية، مستفيداً من تصاعد الحس الوطني بين الشباب واستيائهم من أزمات الخدمات.

في المقابل، تسعى إيران إلى الحفاظ على نفوذها عبر “الإمساك الصامت”، تجنباً لاستفزاز الولايات المتحدة، التي عبرت عن قلقها من النفوذ الإيراني.

الضربات الإسرائيلية الأخيرة على وكلاء إيران، إلى جانب الدعم الأمريكي لنزاهة الانتخابات، قد تضعف هيبة هذه الفصائل.

ومع ذلك، إذا فشلت القوى الوطنية في التوحد، أو استمرت الخلافات البنيوية بين الفصائل الموالية لإيران، فقد تظل الأخيرة قادرة على الحفاظ على نفوذها عبر الاقتصاد الريعي والقمع.

التظاهرات المستمرة قد تتصاعد في أغسطس 2025، لكن نجاحها يعتمد على تجاوز الانقسامات وتنظيم قيادة موحدة، فدون ذلك، قد تظل الانتفاضات عاجزة عن تحقيق تغيير جذري، تاركة النفوذ الإيراني قائماً ضمن نظام سياسي يصعب اختراقه.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *