ماذا حدث؟
في الأيام القليلة الماضية، انتشرت مقاطع فيديو لحفل تخرج طلاب كلية الطب بجامعة مولود معمري في تيزي وزو، وهم يؤدون القسم الطبي (قسم أبقراط) باللغة الفرنسية كاملاً أمام أساتذتهم داخل قاعة المحاضرات.
الطلاب ظهروا بزي التخرج الرسمي، وأدوا القسم بشكل جماعي كما هو معتاد في كليات الطب الجزائرية منذ عقود.
سرعان ما تحول الحفل إلى أزمة وطنية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث اتهم آلاف النشطاء الطلاب والأساتذة بـ”الخيانة اللغوية” و”المساس بالهوية الوطنية”، معتبرين أن أداء القسم بلغة المستعمر السابق في جامعة جزائرية يشكل استفزازاً واضحاً.
في المقابل، دافع آخرون عن الطلاب، موضحين أن التعليم الطبي في الجزائر لا يزال يعتمد المناهج والمراجع الفرنسية بنسبة كبيرة، وأن القسم نفسه تاريخياً يُقرأ دائماً بالفرنسية في كل الجامعات الجزائرية دون استثناء.
لماذا هذا مهم؟
يكشف الحدث عن جرح عميق لا يزال مفتوحاً في المجتمع الجزائري منذ الاستقلال: قضية اللغة والهوية. فبينما أعلنت الدولة منذ سنوات سياسة تعميم اللغة العربية وتقليص الفرنسية في التعليم والإدارة، وأطلقت برامج لتدريس العلوم بالعربية والتحول إلى الإنجليزية، لا يزال قطاع الطب تحديداً يعتمد الفرنسية بشكل شبه كامل، سواء في الكتب أو المصطلحات أو حتى الامتحانات.
أصبح حفل تيزي وزو رمزاً للتناقض بين الخطاب الرسمي الذي يمجّد العربية والواقع اليومي داخل المؤسسات العلمية.
كما أن الحدث وقع في منطقة أمازيغية معروفة بتمسكها بالهوية، مما جعل البعض يرى فيه تحدياً مزدوجاً: لغوياً للعربية، وثقافياً للهوية الجزائرية الموحّدة التي تسعى الدولة لبنائها.
تفاعل الآلاف مع الوسوم مثل #القسم_بالفرنسية و#جامعة_تيزي_وزو يظهر أن القضية لم تعد مجرد نقاش أكاديمي، بل تحولت إلى معركة رمزية حول معنى “الجزائرية” بعد ستين عاماً من الاستقلال.
ماذا بعد؟
من المتوقع أن تتدخل وزارة التعليم العالي قريباً ببيان رسمي، وربما قرار يلزم كليات الطب بأداء القسم باللغة العربية أو الإنجليزية في الدفعات المقبلة، خاصة بعد الضجة الكبيرة.
قد تشهد الجامعات حملات تفتيش على المناهج واللغة المستخدمة في التدريس، مع تسريع برنامج التحول إلى الإنجليزية الذي أعلن عنه منذ 2022.
في الوقت نفسه، من المرجح أن يستغل التيار القومي والإسلامي الحدث لتصعيد خطابه ضد “بقايا الاستعمار” داخل المنظومة التعليمية.
أما الطلاب والأساتذة في كليات الطب، فسيجدون أنفسهم في موقف حرج بين الواقع العلمي الذي يفرض الفرنسية حالياً، والضغط الشعبي والسياسي الذي يطالب بقطيعة فورية.
في النهاية، قد يصبح حفل تيزي وزو نقطة تحول حقيقية تدفع الدولة لتسريع تعريب الطب أو التحول الكامل إلى الإنجليزية، لكن ذلك سيحتاج سنوات من إعادة كتابة الكتب وتأهيل الأساتذة.