جمال عبد الناصر: دجال مريض، باع للأمة أوهامًا، فاشترت منه الخراب

#image_title #separator_sa #site_title

الكاتب : محمود محمد رمضان

حين تسربت تسجيلات جمال عبد الناصر الأخيرة عن فلسطين وإسرائيل، كُشف المستور أمام كل من كان لا يزال يعلق قلبه بقائدٍ لم يكن في الحقيقة سوى صدى شعبوي لضعف الأمة أكثر مما كان رمزًا لقوتها.

في التسريبات، بدا عبد الناصر صريحًا بشكل مدهش، معترفًا أن الحديث عن تحرير فلسطين كان ضربًا من الخطابة الموجهة للجماهير، لا سياسة حقيقية ولا خطة مدروسة. قالها ببساطة: “كنا نضحك عليهم، نحكي عن فلسطين كأنها قضية الغد، ونحن نعلم أن لا شيء سيتغير.”
هنا تتجلى أمامنا شخصية مريضة بالإنكار والتضخيم، تتغذى على خداع الذات وخداع الجماهير.

شعبوية مريضة… لا زعامة

من زاوية التحليل السياسي، كان عبد الناصر أشبه بمؤدٍ مسرحي أكثر منه رجل دولة. كل خطاباته عن الوحدة العربية، تحرير فلسطين، والكرامة القومية لم تكن سوى حقن معنوية لمريض يتجه بسرعة إلى الموت. لا مشروع حقيقي، لا أفق استراتيجي، فقط خطب مدوية تصبغ الهزيمة بطلاء البطولة الزائف.
كان يمارس الشعبوية الصافية: العزف على أوتار الغضب الجماهيري، بث مشاعر الانتصار الوهمي، ثم التنصل من نتائج الاندفاع الطائش حين تحل الكارثة.

التحليل النفسي: نرجسية جماعية مدمرة

تدل كلماته في التسريبات على نمط شخصية نرجسية دفاعية: حين يعجز الواقع عن مجاراة الصورة المثالية التي رسمها عن نفسه، يلجأ للكذب والتضليل. عبد الناصر لم يكن يرى نفسه مسؤولًا أمام شعبه بقدر ما كان يرى نفسه قائدًا لرسالة مقدسة، حتى لو كانت هذه الرسالة نفسها وهمًا قاتلًا.
ومثله تمامًا، تتكرر اليوم ظاهرة أولئك القوميين العرب الذين يعبدون ذكرى رجل خذلهم؛ مرض نفسي جماعي قائم على الإنكار والهروب من مواجهة الحقيقة: أن زعيمهم كان، ببساطة، مهندس أكبر سلسلة من الانكسارات العربية.

الكذب كأداة حكم

كشفت التسريبات أن عبد الناصر كان يتعمد اختراع الأكاذيب من أجل “الحفاظ على المعنويات”، في إشارة واضحة إلى أن غاية السلطة عنده كانت تبرر كل وسيلة، حتى لو كانت خيانة للوعي. وهنا مكمن الكارثة: لم تكن الأكاذيب عرضًا عابرًا، بل جوهر مشروعه السياسي.

تدمير العلاقات العربية… وتمزيق الاقتصاد

من الناحية الواقعية، لا يحتاج التاريخ إلا إلى النظر في الأرقام:

في عام 1967، كانت ديون مصر الخارجية قد تجاوزت 1.7 مليار دولار، وهو رقم مهول في معايير ذلك الزمن.

التضخم كان قد قفز إلى 35% بعد مغامراته العسكرية.

الناتج القومي المصري كان يتراجع بنسبة 2.5% سنويًا بفعل عسكرة الاقتصاد وصرف الموارد على مغامرات خطابية.

العلاقات مع الدول العربية انهارت واحدة تلو الأخرى، بدءًا من السعودية في أزمة اليمن، مرورًا بالأردن، ووصولًا إلى المغرب وتونس.

كان عبد الناصر، بمنتهى البساطة، مخرّبًا للمشروع العربي باسم القومية العربية.

الفلسفة الغائبة: لماذا لا يزالون يحبونه؟

هنا يظهر سؤال فلسفي عميق: لماذا ما زال عبد الناصر، رغم كل هذا الخراب، معبودًا عند بعض القوميين حتى اليوم؟

الإجابة هي غياب فلسفة نقدية جديدة تفسر الهزيمة. فالقوميون العرب الذين ورثوا جراح النكسة لم يستطيعوا إنتاج إطار فكري يفسر الهزيمة بمعزل عن شخصنة عبد الناصر. لم يفهموا أن الزعامة ليست خطابًا ولا وجاهة صوتية، بل مشروع تاريخي. عجزهم هذا جعلهم يدفنون عقولهم في تراب الأسطورة، مفضلين الحلم الجميل على الحقيقة الموجعة.

إنهم يعيشون في عزاء أبدي، لا يعترفون فيه أن إلههم مات مختنقًا بكذبه.

مأساة العقل العربي

جمال عبد الناصر لم يكن فقط مهندس الهزيمة السياسية، بل كان معمار الفشل النفسي للأمة العربية الحديثة. لقد علمهم أن يصدقوا الكذبة إذا كانت براقة بما فيه الكفاية. ومن آمنوا به، صاروا أسرى لمرآة مكسورة، يرون فيها أمة لم تكن، وقائدًا لم يكن قائدًا، بل ظاهرة صوتية استهلكت كل شيء… وتركتهم يتصارعون مع الرماد.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *