ماذا يحدث؟
تشهد البشرية تحولًا غير مسبوق في تاريخ الفضاء، مع اقترابها من مرحلة جديدة من الاستكشاف العميق تتطلب تقنيات متطورة لدفع المركبات عبر المجرات، وتبرز بينها تكنولوجيا الدفع الكهربائي كاختراق علمي قد يغيّر مفهوم السفر بين الكواكب.
طاقة المستقبل التي تتحدى الصواريخ التقليدية
على عكس الصواريخ الكيميائية التي تعتمد على احتراق الوقود، تستخدم أنظمة الدفع الكهربائي، مثل محركات الأيونات وتأثير “هول” الكهرباء لتوليد الدفع، ما يمنح المركبات قدرة على التحليق لمسافات طويلة بسرعة متزايدة وباستهلاك وقود محدود، وفقًا لموقع Innovation News Network.
كيف تعمل هذه التقنية الثورية؟
تحوّل أنظمة الدفع الكهربائي الطاقة الكهربائية إلى طاقة حركية بدقة عالية؛ إذ تُؤيَّن غازات مثل الزينون وتُسرَّع عبر حقول كهربائية أو مغناطيسية لتوليد قوة دفع صغيرة ومستقرة، كما في محركات الأيونات وتأثير هول.
أما محركات القوس الكهربائي فتسخّن الوقود كهربائيًا قبل طرده. ورغم ضعف تسارعها اللحظي، فإن قدرتها على العمل الطويل تمنحها ميزة كبرى في المهام البعيدة بسرعات عالية واستهلاك وقود منخفض.
من المختبر إلى الفضاء الحقيقي
أثبتت تقنية الدفع الكهربائي كفاءتها عمليًا؛ إذ استخدمها مسبار “داون” عام 2007 لاستكشاف كويكبي “فيستا” و”سيريس”، لتصبح أول مركبة تزور جسمين سماويين في مهمة واحدة.
كما تعتمد مركبة “بيبي كولومبو” على النظام ذاته في رحلتها إلى عطارد، وتخطط “ناسا” لتوظيفه في برنامج “أرتميس” للعودة إلى القمر، ما يعكس الثقة المتزايدة بهذه التقنية للمهام المستقبلية.
مزايا غير مسبوقة
يوفر الدفع الكهربائي كفاءة عالية في استهلاك الوقود، ما يقلل وزن الحمولة ويُطيل مدة المهام دون إعادة التزوّد، مع تسارع ثابت يمنح المركبة قدرة كبيرة على المناورة قرب الكواكب.
كما تتميز محركاته بقلة الأجزاء المتحركة، ما يجعلها أكثر موثوقية وطول عمر في بيئات الفضاء القاسية.
عقبات على الطريق
رغم مزاياها الكبيرة، تواجه تكنولوجيا الدفع الكهربائي تحديات تحد من انتشارها، أبرزها ضعف القوة الدافعة الذي يطيل زمن الوصول ويؤثر على جداول المهام.
كما يقيّد اعتمادها على مصادر طاقة متقدمة استخدامها في المناطق البعيدة عن الشمس، إضافةً إلى تعقيد أنظمتها وارتفاع تكاليف تطويرها وتصميمها.
ماذا بعد؟
رغم التحديات، يبدو المستقبل واعدًا لهذه التكنولوجيا التي تمثل ثورة في عالم الفضاء، إذ يعمل العلماء على تطوير مواد أخف وأنظمة ذكية بإدارة الذكاء الاصطناعي، ما يمهد لرحلات أطول نحو وجهات بعيدة.
وتشكل مهمتا “سايكي” و”بيبي كولومبو” نموذجًا عمليًا لذلك، باعتمادهما على الدفع الأيوني لعبور مسافات شاسعة بسرعة غير مسبوقة.
وهكذا، لم تعد تكنولوجيا الدفع الكهربائي حلمًا مستقبليًا، بل بوابة لعصر جديد من السفر بين الكواكب واستكشاف أعماق الكون.