الحكومة العراقية في مأزق.. هل يتمرد الحشد الشعبي؟

الحكومة العراقية في مأزق.. هل يتمرد الحشد الشعبي؟

ماذا حدث؟

في 27 يوليو 2025، شهدت بغداد اشتباكًا مسلحًا غير مسبوق بين عناصر من اللواءين 45 و46 التابعين للحشد الشعبي، المرتبطين بكتائب حزب الله، وقوات الشرطة الاتحادية التابعة لوزارة الداخلية.

اندلع الصراع إثر اقتحام مسلحي الحشد مبنى تابعًا لوزارة الزراعة في منطقة الدورة جنوب بغداد، خلال عملية تعيين مدير جديد، مما أدى إلى مقتل ضابط شرطة ومدني، وإصابة آخرين، واعتقال 14 مقاتلاً من الحشد.

هذا الحدث أثار تساؤلات حول هيبة الدولة وقدرة الحكومة بقيادة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني على ضبط الفصائل المسلحة، خاصة أن السوداني جاء بدعم الإطار التنسيقي الشيعي المقرب من الحشد.

لماذا هذا مهم؟

الاشتباك ليس مجرد حادث عابر، بل اختبار حرج لسلطة الدولة وسيادتها، فالحشد الشعبي، الذي تأسس عام 2014 بفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني لمحاربة تنظيم داعش، أصبح قوة موازية تمتلك نفوذًا سياسيًا وعسكريًا، مع علاقات وثيقة لبعض فصائله، مثل كتائب حزب الله، مع إيران.

رغم تبعيته الرسمية للقائد العام للقوات المسلحة، يحتفظ الحشد بهامش استقلالية يتيح له تنفيذ أجندات خاصة، بما في ذلك استهداف مصالح أمريكية أو التدخل في القرارات الإدارية، كما حدث في اقتحام مبنى الزراعة.

هذا الحدث يكشف هشاشة التوافق بين الحكومة والفصائل المسلحة، خاصة بعد نجاح السوداني النسبي في احتواء هذه الفصائل خلال حرب إيران وإسرائيل لمدة 12 يومًا عام 2025.

الولايات المتحدة، التي تصنف كتائب حزب الله منظمة إرهابية، دعت إلى محاسبة المسؤولين، معتبرة المساءلة أساسية لسيادة القانون، مما يزيد الضغط على الحكومة العراقية.

الاشتباك يعكس أيضًا صراعًا أعمق على النفوذ داخل مؤسسات الدولة. الحشد، بقوامه البالغ حوالي 238,000 مقاتل، يشكل تحديًا لاحتكار الدولة للقوة المسلحة، خاصة مع وجود قادة مصنفين إرهابيين من قبل واشنطن في مناصب قيادية.

التوترات السياسية حول قانون الحشد الشعبي، الذي يناقش في البرلمان منذ فبراير 2025، تكشف انقسامات داخل الإطار التنسيقي نفسه، حيث يطالب البعض بدمج الحشد في الجيش، بينما يسعى آخرون لتعزيز استقلاله.

هذه الانقسامات تهدد بزعزعة الاستقرار، خاصة مع الضغوط الأمريكية لتقليص النفوذ الإيراني.

ماذا بعد؟

الحكومة العراقية أمام خيارين صعبين: إما فرض سلطة الدولة عبر محاسبة الفصائل المتمردة، وهو ما قد يؤدي إلى مواجهة شاملة مكلفة سياسيًا وأمنيًا، أو التراجع أمام قوة الأمر الواقع التي تفرضها هذه الفصائل، مما قد يضعف سيادة الدولة ويعزز النفوذ الإيراني.

أما إحالة المعتقلين إلى القضاء فتمثل خطوة غير مسبوقة، لكن نجاحها يعتمد على قدرة السوداني على مقاومة الضغوط السياسية.

الضغوط الأمريكية، التي تجلت في تحذيرات وزير الخارجية ماركو روبيو من تشريع قانون الحشد، قد تدفع بغداد لإعادة هيكلة الحشد أو دمجه في الجيش لتوحيد السلاح تحت سلطة الدولة.

لكن أي مواجهة مباشرة مع فصائل مثل كتائب حزب الله قد تؤدي إلى تصعيد أمني، خاصة مع استعداد هذه الفصائل لاستخدام السلاح.

على المدى الطويل، يتطلب استقرار العراق إصلاحات أمنية حقيقية تضمن خضوع جميع القوات لسلطة الدولة، إلى جانب تقليص النفوذ الإقليمي، خاصة الإيراني.

ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية، قد تستغل الفصائل نفوذها السياسي لتعزيز مواقعها، مما يعقد جهود السوداني، فإذا لم تثبت الحكومة سيادتها، فقد يشجع ذلك تدخلات خارجية أو عمليات انتقامية، مما يهدد استقرار العراق إقليميًا.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *