كتب- محمد النجار:
لطالما اعتاد الأطفال حول العالم على انتظار قدوم “سانت كلوز” أو “بابا نويل”، الشخص الذي يأتي في ليلة الميلاد ليحمل الهدايا ويرسم البسمة على وجوههم.. لكن، هل تساءلنا يومًا عن المصدر الحقيقي لهذه الشخصية الأسطورية؟
سانت كلوز الذي نعرفه اليوم، هو في الحقيقة مستوحى من شخصية تاريخية حقيقية تُدعى “القديس نيكولاس”، أسقف بيزنطي وُلد في مدينة ميرا التي تقع في تركيا الحالية.
ومن خلال هذه الشخصية التي امتزجت سيرتها بالعديد من الأساطير والعجائب، تطورت الأسطورة ليصبح بابا نويل الذي نحتفل به في كل عام.
لقد كانت شهرة القديس نيكولاس تتزايد بسرعة في أوروبا بفضل الأعمال العديدة التي نُسبت إليه، مما جعله أحد أكثر القديسين شعبية في القارة.
لكن، ورغم أن الحكاية الشهيرة التي يعرفها الجميع هي عن تبرعه بالمال للفقراء في منتصف الليل، هناك قصة أخرى قد لا يعرفها كثيرون حول معركة هذا القديس ضد ظلم وقع على ثلاثة رجال أبرياء.
القديس نيكولاس بطلًا للعدالة
تبدأ القصة عندما قرر أحد رجال الأعمال المحليين أن يطلب من الحاكم الإقليمي إعدام ثلاثة رجال أبرياء: نيبوتيان، وأورسينا وأبوللين، لأسباب غير معروفة.
وافق الحاكم “أوستاثيوس”، الذي كان معروفًا بفساده، على هذا الطلب وقام بالحكم على هؤلاء الرجال بالإعدام، لكن الأخبار وصلت إلى الأسقف نيكولاس، الذي لم يقبل هذا الظلم.
في لحظة حاسمة، وفي الوقت الذي كان فيه الجلاد يرفع سيفه ليضرب به رقبة أول رجل، اندفع نيكولاس بقوة ليقف بينه وبين الجلاد، ممسكًا بسيفه، ليمنع تنفيذ الإعدام.
ثم سحب السيف وأطلق سراح الرجال الأبرياء، ومن ثم، توجه بنصائح قاسية إلى الحاكم الفاسد، الذي سقط على ركبتيه، معترفًا بخطئه ووعد بتغيير سلوكه.
هذه الحكاية تقدم لنا صورة مغايرة تمامًا عن الصورة التقليدية للقديس نيكولاس الذي نعرفه اليوم، فبدلاً من كونه الرجل الطيب المتواضع الذي يوزع الهدايا، يظهر هنا نيكولاس كبطل ينقض على الظلم، محاربًا من أجل العدالة.
أسقف ميرا في عصر مضطرب
عاش القديس نيكولاس في زمن كانت فيه الإمبراطورية الرومانية تتعرض لضغوط شديدة بسبب صعود المسيحية، وهو ما دفع الإمبراطور دقلديانوس إلى إصدار أوامر بإضطهاد المسيحيين.
وعانى نيكولاس من التعذيب والسجن خلال هذه الفترة، ليخرج بعدها شخصًا مختلفًا، محاربًا ضد الطغيان من أجل العدالة.
ورغم أنه كان غنيًا وكان قادرًا على التبرع بكثير من المال دون أن يتأثر وضعه المالي، إلا أن نيكولاس اختار دائمًا أن يبقى سخيًا وسريًا في تبرعاته، حيث كانت هذه الأعمال بمثابة بداية لتأسيس سمعته كقائد رحيم، وهو ما دفعه ليُصبح قديسًا محبوبًا في أنحاء أوروبا.
ازدهار الأسطورة
مع مرور الزمن، تضخمت الأسطورة حول القديس نيكولاس، وتم ربطه بالكثير من المعجزات، مثل قدرته على التحكم في الطقس أو ظهوره في أحلام الحكام الرومان ليبث فيهم النصح والتوجيه.
كما أصبح الراعي الرسمي للأطفال، والبحارة، والنساء غير المتزوجات، والطلاب، وحتى المدن الأوروبية، وبمرور القرون، تحول نيكولاس إلى شخصية أخرى، هي “سانت كلوز” الذي نعرفه في عالمنا الحديث.
ومع توسع دائرة انتشاره، بدأ المهاجرون الهولنديون في نقل هذه الأسطورة إلى أمريكا، حيث تم تحويل القديس نيكولاس إلى شخصية “سانت كلوز” كما نعرفها اليوم، من خلال الكتب والمجلات والأفلام.
وهكذا، أُعيد تجسيد القديس نيكولاس في صورة الرجل الطيب ذو اللحية البيضاء الذي يوزع الهدايا في ليلة الميلاد.
في النهاية، يجب أن نعرف أن شخصية بابا نويل، كما هي اليوم، هي نتاج خليط من الأساطير والحكايات التي امتزجت عبر الأزمان، لتُصبح جزءًا من التراث العالمي.