ماذا حدث؟
شهدت علاقات إيران والسودان تحولاً دراماتيكياً منذ أكتوبر 2023، حين استؤنفت الروابط الدبلوماسية بعد قطيعة دامت ثماني سنوات، وسط غرق السودان في حرب أهلية دامت أكثر من عامين بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
استغلت طهران الفوضى لتقديم دعم عسكري سري للجيش، بما في ذلك شحنات مسيّرات من طراز “هاجر” وصواريخ مضادة للدروع عبر مطار بورتسودان، مما ساعد في صد تقدم قوات الدعم السريع نحو الخرطوم واستعادة مناطق رئيسية في المدينة خلال 2025.
كشفت تقارير عن نقل خبراء إيرانيين وصور أقمار صناعية لدعم التخطيط العسكري، بالإضافة إلى تجنيد وتدريب جنود.
في سبتمبر 2025، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم وكتيبة “البراء بن مالك” لروابطها مع إيران، معتبرة ذلك جزءاً من حملة إيرانية لنشر الإرهاب الإقليمي.
ارتبط الدعم أيضاً بجماعة الحوثي اليمنية، حيث يُعتقد أن الساحل السوداني أصبح منصة لوجستية لإطلاق مسيّرات وزوارق، مما ساهم في هجمات حوثية على سفن سعودية قرب ينبع في سبتمبر 2025.
لماذا هذا مهم؟
يُعد تورط إيران في الحرب السودانية خطوة استراتيجية لترسيخ نفوذها على البحر الأحمر، أحد أهم الممرات التجارية العالمية، وبوابة نحو إفريقيا، خاصة بعد تعثر مفاوضاتها النووية مع واشنطن.
بالنسبة للبرهان، وفر الدعم طوق نجاة أمام دعم إقليمي متردد لأي طرف، مما غيّر ميزان القوى في الصراع وأدى إلى استعادة الجيش للخرطوم جزئياً في بداية 2025.
أما للحوثيين، فالسودان امتداد لوجستي يخفف الضغط عن اليمن، ويسهل تهريب الذخيرة عبر القرن الإفريقي، مما يعزز قدراتهم في مضيق باب المندب ويرفع التوتر الإقليمي مع السعودية وإسرائيل.
على الصعيد الدولي، أثار الدعم مخاوف من تحويل السودان إلى “وكيل إيراني” جديد، مشابه لسوريا أو لبنان، وأدى إلى عزلة عربية للخرطوم، مع تحذيرات أمريكية من “حملة إرهابية عالمية” إيرانية.
ماذا بعد؟
مع استمرار الحرب، قد يسعى إيران لإقامة قواعد عسكرية في بورتسودان، بالتعاون مع روسيا، لتعزيز السيطرة على الملاحة الدولية، لكن هذا يواجه مقاومة داخلية سودانية ورفضاً إقليمياً من مصر والسعودية، التي حذرت منه سابقاً.
الولايات المتحدة طلبت من دول المنطقة الضغط على طهران لوقف التورط، وقد تكثف عقوباتها أو تدعم قوات الدعم السريع لموازنة الدعم الإيراني.
إذا نجح البرهان في السيطرة الكاملة، قد يصبح السودان جزءاً من “محور المقاومة” الإيراني، مما يعقد الجهود الدبلوماسية لإنهاء الصراع، الذي أودى بحياة عشرات الآلاف ونزح ملايين.
ومع ذلك، هشاشة التحالفات الداخلية والضربات الأمريكية-الإسرائيلية السابقة على شبكات التهريب تجعل النفوذ الإيراني عرضة للانهيار السريع، خاصة إذا تصاعدت الهجمات الحوثية وأدت إلى مواجهة بحرية أوسع في البحر الأحمر.
في النهاية، يعتمد المستقبل على إرادة القوى الإقليمية في مواجهة التمدد الإيراني، قبل أن يتحول السودان من ساحة أهلية إلى جبهة إقليمية جديدة.