قاعدة أميركية في تيران وصنافير.. لماذ رفضت مصر المقترح السعودي؟

تيران وصنافير

ماذا حدث؟

في 30 أبريل 2025، كشف تقرير لموقع “مدى مصر” المعارض عن اقتراح سعودي يسمح للولايات المتحدة بإنشاء قاعدة عسكرية على جزيرتي تيران وصنافير، الواقعتين عند مدخل خليج العقبة.

الهدف المعلن هو تعزيز أمن قناة السويس ومنع انتقال الأسلحة إلى غزة أو لبنان، خاصة من إيران، وسط تصاعد هجمات الحوثيين على الملاحة في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023.

هذه الهجمات، التي استهدفت أكثر من 100 سفينة تجارية، أدت إلى خسارة مصر نحو 800 مليون دولار شهريًا من إيرادات القناة، وفق تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي.

الاقتراح يأتي في سياق عملية “الفارس الخشن”، التي أطلقتها إدارة الرئيس دونالد ترامب في 15 مارس 2025، والتي شملت أكثر من 40 غارة جوية على مواقع الحوثيين في اليمن، تلتها ضربات شبه يومية.

وفق مشروع بيانات اليمن، أسفرت هذه الحملة عن مقتل 500 مدني بحلول 22 أبريل، بتكلفة تجاوزت مليار دولار، مما دفع واشنطن للمطالبة بدعم مالي وعسكري من حلفائها، بما في ذلك مصر.

لكن مصر رفضت المشاركة العسكرية أو تقديم دعم مالي، مشيرة إلى نقص الموارد ومخاطر التورط في نزاع مكلف، كما رفضت طلبًا أمريكيًا بالسماح للسفن الأمريكية بالمرور مجانًا عبر قناة السويس، خشية أن يؤدي ذلك إلى مطالبات مماثلة من دول أخرى.

الاقتراح السعودي بإنشاء القاعدة الأمريكية أثار انقسامًا داخل دوائر القرار في القاهرة، حيث يرى البعض أنه يهدد السيادة المصرية والمصالح الاقتصادية، بينما يعتقد آخرون أن مصر قد تضطر للتفاوض لانتزاع تنازلات.

الجدل حول تيران وصنافير ليس جديدًا، في 2016، وافقت مصر على نقل سيادة الجزيرتين للسعودية، لكن الاتفاقية أثارت احتجاجات شعبية ونزاعات قانونية، وحتى 2025، لم تكتمل عملية النقل بسبب خلافات حول ترتيبات أمنية، بما في ذلك كاميرات مراقبة سعودية-إسرائيلية تثير مخاوف مصر بشأن الأمن القومي.

لماذا هذا مهم؟

رفض مصر للاقتراح الأمريكي-السعودي يكشف عن تعقيدات الديناميكيات الإقليمية والمخاوف الاستراتيجية التي تهيمن على سياسات القاهرة

 أولاً، يعكس الموقف المصري حرصًا على الحفاظ على سيادتها ودورها كحارس لقناة السويس، وهي شريان اقتصادي يمثل مصدرًا رئيسيًا للعملة الأجنبية، خصوصًا أن السماح بقاعدة أمريكية قد يُضعف هذا الدور ويعرض مصر لضغوط إضافية من دول أخرى، مما يهدد إيرادات القناة.

ثانيًا، يبرز الرفض مخاوف مصر من تعزيز النفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، فقاعدة عسكرية على تيران وصنافير قد تعزز العلاقات الأمنية بين السعودية وإسرائيل، مما يقوض مكانة مصر كوسيط إقليمي تاريخي منذ معاهدة كامب ديفيد 1979.

ثالثًا، يعكس الموقف المصري قلقًا اقتصاديًا من تأثير القاعدة على الاستثمارات الأجنبية، خاصة من الصين وروسيا، اللتين تملكان مشاريع كبرى في محور قناة السويس، فوجود قاعدة أمريكية قد يثير توترات دبلوماسية مع هذين الشريكين، مما يعيق خطط التنمية الاقتصادية.

كما أن التجربة التاريخية لمصر في حرب اليمن (1962–1967)، التي كلفتها خسائر بشرية واقتصادية هائلة، تجعل القاهرة مترددة في التورط في نزاع جديد ضد الحوثيين، الذين يتمتعون بدعم إيراني وصيني وتضاريس جغرافية تجعل هزيمتهم صعبة.

ماذا بعد؟

مستقبل هذا الاقتراح يعتمد على مفاوضات دقيقة بين مصر، السعودية، والولايات المتحدة، مع تداعيات محتملة على الاستقرار الإقليمي.

أولاً، من المتوقع أن تستمر مصر في المقاومة الدبلوماسية، ربما عبر تقديم بدائل مثل تعزيز التعاون الأمني دون السماح بقاعدة دائمة، أما عن تشكيل لجنة لدراسة الطلب، كما أشار مصدر مصري، فإن هذا يعكس استراتيجية القاهرة لكسب الوقت وتجنب مواجهة مباشرة مع واشنطن أو الرياض.

ثانيًا، زيارة الرئيس ترامب المرتقبة للسعودية في منتصف مايو 2025 ستكون حاسمة، فمن المرجح أن تُناقش الزيارة تفعيل منتدى البحر الأحمر وتوقيع اتفاقيات أمنية، بما في ذلك الاقتراح السعودي، وهنا قد تسعى مصر لانتزاع تنازلات، مثل تعزيز وجودها الأمني في جنوب سيناء أو ضمانات اقتصادية من السعودية، لتعويض أي تنازلات محتملة بشأن الجزيرتين.

ثالثًا، الرأي العام المصري سيظل عاملاً مؤثرًا، فالاحتجاجات التي اندلعت عام 2016 ضد نقل السيادة تُظهر حساسية الموضوع، والتقارير عن قاعدة أمريكية أثارت بالفعل جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

رابعًا، التوازنات الإقليمية ستتأثر، فإذا نجحت السعودية في تمرير الاقتراح، فقد يعزز ذلك تحالفها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنه قد يُضعف العلاقات مع مصر ويثير توترات مع إيران والصين.

على العكس، إذا تم رفض الاقتراح نهائيًا، فقد يدفع ذلك واشنطن للبحث عن مواقع بديلة، مثل السواحل السعودية أو جيبوتي، مما يُعيد رسم خريطة النفوذ العسكري في البحر الأحمر.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *