ماذا حدث؟
في تحرك جديد يعكس تصاعد القلق من تغلغل الأموال غير المشروعة داخل المنظومة المالية، شدّد الرئيس التونسي قيس سعيّد الرقابة على تدفقات النقد الأجنبي التي تُوجَّه إلى البلاد، مؤكدًا أن “أموالًا طائلة تُرسل من الخارج تحت جنح الظلام”.
وخلال لقائه بمحافظ البنك المركزي فتحي زهير النوري، شدّد سعيّد على أن تلك الأموال تُستخدم في أنشطة “مخالفة للقانون” عبر عمليات تهريب وتبييض يستفيد منها أفراد ومؤسسات مصرفية وغير مصرفية، مشيرًا إلى أن “المشكلة لا تكمن فقط في النصوص القانونية، بل في ضعف تطبيقها”، داعيًا إلى “تحمل المسؤولية الكاملة ووقف هذه الممارسات فورًا”.
تعليمات عاجلة من البنك المركزي
وفي أعقاب تلك التصريحات، أصدر البنك المركزي التونسي تعليمات عاجلة إلى البنوك والمؤسسات المالية لرفع مستوى اليقظة ومراقبة مصادر الأموال الأجنبية، محذرًا من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومطالبًا بضرورة بذل العناية اللازمة في تتبع التحويلات المشبوهة.
لماذا هذا مهم؟
يرى مراقبون أن هذه التحركات تأتي على خلفية استمرار تدفق تمويلات خارجية إلى بعض الجمعيات والمنظمات ذات الارتباطات السياسية، وعلى رأسها تنظيم الإخوان، في محاولة لتوتير الأوضاع الداخلية وتقويض الاستقرار.
وبحسب المرسوم المنظم للجمعيات، يتوجب على كل جمعية الإعلان عن مصادر تمويلها الأجنبية عبر موقعها الإلكتروني، إلا أن التطبيق – وفق مراقبين – يبقى هشًا، ما يفتح الباب أمام تسلل الأموال غير المشروعة.
25 ألف جمعية قيد المراقبة
ووفق آخر إحصاء صادر عن مركز الإعلام والتكوين والدراسات والتوثيق حول الجمعيات، يبلغ عدد الجمعيات النشطة في تونس 25 ألفًا و80 جمعية، فيما تتزايد الدعوات لمراجعة ملفاتها المالية والتدقيق في مصادر تمويلها، في معركة مفتوحة بين الدولة وتنظيم يواصل التحرك في الظل.
ماذا بعد؟
مع استمرار الحديث عن “الأموال التي تتدفق تحت جنح الظلام”، يبدو أن تونس مقبلة على مرحلة أكثر صرامة في التعامل مع شبكات التمويل المشبوهة، خاصة تلك المرتبطة بتنظيم الإخوان.
فالتصريحات الرئاسية الأخيرة، مصحوبة بتعليمات البنك المركزي، توحي بأن البلاد تتجه نحو حملة واسعة لإغلاق المنافذ المالية غير القانونية ومراجعة أنشطة الجمعيات التي تشكّل ثغرة في منظومة الرقابة.
ويرى مراقبون أن الأشهر المقبلة ستكشف حجم الملفات التي ستُفتح أمام القضاء، وأن المواجهة بين الدولة و”المال الإخواني” لن تظل اقتصادية فحسب، بل قد تتحول إلى معركة سياسية وأمنية حاسمة على مستقبل الاستقرار في تونس.