الإمارات والسودان.. هجوم مدفوع يتجاهل طبيعة الأزمة الداخلية

الحرب الأهلية في السودان

أشار المبعوث السابق للبيت الأبيض إلى الشرق الأوسط، جيسون د. غرينبلات، في مقاله بـ =مجلة “Newsweek” الأمريكية إلى أن النزاع الدائر في السودان لا يُفهم غالبًا بصورة دقيقة، رغم كونه من أكبر الأزمات الإنسانية في العصر الحديث.

الكثير من المتابعين لا يدركون تعقيدات المشهد، بينما يختصر آخرون الأزمة في روايات سطحية لا تعكس واقع بلد واجه سلسلة ممتدة من الانقسامات السياسية والصراعات المسلحة منذ خمسينيات القرن الماضي، بما في ذلك حربان أهليتان وانهيارات متكررة لمؤسساته.

ويرى غرينبلات أن الوضع الإنساني في السودان بالغ القسوة؛ مدن مهجّرة، أسر فقدت مسكنها، وأجيال تبحث عن حد أدنى من الاستقرار.

وفي هذا السياق، يُثار حديث واسع حول دور الإمارات العربية المتحدة، إلا أن النقاش العام ـ بحسب رأيه ـ يتحول في كثير من الأحيان إلى اتهامات مبنية على خصومات سياسية أكثر من كونها مستندة إلى وقائع.

ويؤكد الكاتب أن تقييم أي دور خارجي، بما في ذلك الدور الإماراتي، يستدعي التعامل مع الحقائق كما هي على الأرض، فمن الناحية الإنسانية، قدمت الإمارات مساعدات تشمل الغذاء والإمدادات الطبية والدعم اللوجستي، وهو ما ساعد في مناطق عديدة على تجنب اتساع رقعة الجوع والانهيار.

تجاهل هذا الجانب، بحسب غرينبلات، يعني إغفال جانب مهم من المشهد.

كما يوضح أن الانخراط الدبلوماسي في نزاع تتعدد أطرافه المسلحة ليس خيارًا بسيطًا، فالتواصل مع القوى المؤثرة ضروري لدفع الأطراف نحو أي مسار تفاوضي محتمل، حتى لو كان هذا التواصل مع جهات مثيرة للجدل، ويشير إلى أن مثل هذه التحركات تمثل جزءًا من طبيعة العمل الدبلوماسي في بيئات مضطربة.

ويضيف أن الحفاظ على توازنات الأمن الإقليمي يشكل دافعًا آخر لأي تحرك خارجي تجاه السودان، بالنظر إلى موقعه وتأثير استقراره على البحر الأحمر وطرق التجارة والهجرة، فغياب الاستقرار في السودان ينعكس مباشرة على الدول المجاورة والمنطقة ككل.

ويُذكّر غرينبلات بأن السودان عانى طويلًا من تدخلات أجنبية متداخلة مع تحديات داخلية معقدة، وأن التخوف من تأثير الفاعلين الخارجيين على مستقبل البلاد مفهوم، لكنه لا يبرر بناء تصورات تعتمد على تبسيط الأزمة وتحميل طرف خارجي مسؤولية مشهد تراكمت مكوناته لعقود، فالسودان شهد سلسلة من الانقلابات والحروب والانقسامات الداخلية قبل أي دور خارجي حديث، ما يعني أن جذور المعاناة سودانية المنشأ بدرجة كبيرة.

كما يشدد على أن أي دولة خارجة من نزاع طويل تحتاج إلى دعم مالي وإنساني ودبلوماسي واسع النطاق، وأن وجود مصالح للدول المانحة لا يُعد أمرًا شاذًا في العلاقات الدولية، فالدول التي تقدم المساعدة لا تكون بمنأى عن النقد، لكنها أيضًا ليست وحدها المسؤولة عن إخفاقات عميقة سبقت تدخلها بسنوات طويلة.

ويخلص غرينبلات إلى أن تناول الأزمة السودانية بموضوعية يتطلب قراءة شاملة للواقع بعيدًا عن تبادل الاتهامات، فالمشهد السوداني الحالي يحتاج إلى نقاش مبني على معلومات دقيقة ورؤية متوازنة، باعتبار ذلك مدخلًا لأي خطوات مستقبلية يمكن أن تساعد السودان على تجاوز أزمته المستمرة.

ويُذكر أن جيسون غرينبلات شغل منصب مبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط خلال إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأولى، وهو مؤلف كتاب يتناول مسارات التفاوض في المنطقة، إضافة إلى عمله المؤسسي في مجال الاستشارات.

شارك هذه المقالة
لا توجد تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *